الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا ينبغي أن يُصار إلى الطلاق إلا عند تعذر جميع وسائل الإصلاح

السؤال

هل يجوز الإصرار على طلب الطلاق من الزوج الذي تغير على زوجته بسبب تأثره بكلام المحيطين به خاصةً أمه، وهي ذات طبع حاد، ولا تحب زوجته، وقد صرحت، ولمحت بذلك بأقوالها وأفعالها، وكانت دائما تسبب لزوجته المشاكل، وتوقع بينهما منذ بداية زواجهما، وهو ابنها الوحيد مع ثلاث بنات، وتغار عليه جدًّا، وتريد -دائمًا- أن تكون هي وأخواته البنات محور اهتمامه، وتخبره بكل التفاصيل، صغيرة كانت أو كبيرة عن حياتهم.
فهو مقصر في الاهتمام بالجانب النفسي والمعنوي لزوجته، ولا يقضي وقتًا كافيًا معها؛ بسبب أن عقله -دائمًا- مشغول بأمه وأخواته، فحتى الوقت الذي يقضيه معها لا يخلو منهم.
مع العلم أن لديهما طفلة عمرها عامان، وهو ليس زوجًاً سيئًا، ولا يقصر معها في حقوقها المادية، مثل المأكل، أو ما يحتاجه البيت من مؤنة، و-أيضًا- يعامل طفلته معاملة طيبة، ويدللها، ولكنها تشعر -أحيانًا- بأن له شخصية أخرى، عندما ينقلب عليها؛ يسيء إليها، ويسبها، وقد يسيء إلى أهلها، وهي لا تقبل ذلك، وتتضرر نفسيًّا بسببه.
الآن أصبحت الثقة بينهما منعدمة، وقَلَّ الحوار تمامًا، وتشعر أن ما يربطه بها هو ابنتهما فقط، والذي زاد الأمر سوءًا أنه قد حدثت بينه وبين أخيها مشكلة كبيرة منذ فترة قصيرة كان سببها في الأساس مشكلة بينها وبين زوجها، أدت إلى غضب أخيها على زوجها، وكلاهما غلط في حق الآخر، ولكن كان غلط الأخ أكبر.
الآن منعها من زيارة أهلها، وحلف عليها أنها ستكون طالقًا إذا فعلت قبل أن يأخذ حقه من أخيها بأي طريقة.
وكلما فتحت معه نقاشًا في الموضوع؛ لكي تقنعه بالعفو عن أخيها، أو أن يسمح لها بزيارة والديها، فهم ليس لهم ذنب فيما حدث، يغضب عليها، ويذكر أهلها بسوء، وخاصة أخوها. هي الآن أصبحت لا تأمن على نفسها بالاستمرار في العيش معه؛ لأن ما حدث زاد من استماعه لأهله، والجلوس معهم، والإنصات لمن يحاول أن يخرب عليه بيته، وانقطعت -أيضاً- العلاقات بين الزوجة وأهل الزوج؛ بسبب تحريضهم إياه، واصطيادهم في الماء العكر. مع العلم أنهم هم من بدأوا بهذه القطيعة، خاصة أمه بحجة أنه لم يأخذ حقه من أخيها بعد.
أما عن الزوج؛ فهو لا زال يصرف عليها، ويعاملها، وابنتها معاملة ليست سيئة في المطلق، ولكنه يهملها فيما تريد، أو تشعر، أو تحتاج كأنثى، و-أيضًا- أصبح لا يستمع إليها، ولا يصدقها في معظم ما تقول، وإن أقسمت له.
هي تخاف إذا أصرت على الطلاق أن تكون قد ظلمت طفلتها التي ليس لها ذنب في كل ما يحدث. فماذا تفعل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فليس كل تقصير من الزوج، أو إساءة عشرة منه؛ يسوِّغ للمرأة سؤال الطلاق، وقد ورد في الشرع وعيد شديد لمن تسأل الطلاق من غير مسوَّغ، ففي سنن ابن ماجه عن ثوبان، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة.

قال المناوي -رحمه الله- في شرح الجامع الصغير: أَي: فِي غير حَال شدَّة تدعوها لذَلِك. انتهى. وقال السندي -رحمه الله- في حاشيته على سنن ابن ماجه: أَيْ: فِي غَيْرِ أَنْ تَبْلُغَ مِنَ الْأَذَى مَا تُعْذَرُ فِي سُؤَالِ الطَّلَاقِ مَعَهَا. انتهى.

وعلى أية حال؛ فنصيحتنا لك؛ أن تصبري، وتتفاهمي مع زوجك، وتذكريه بما يجب عليه من المعاشرة بالمعروف، وأن تجتهدي في الإصلاح بينه وبين أخيك.

ومن جهة أخرى؛ ينبغي أن تنظري إلى الجوانب الحسنة في صفات زوجك، وأخلاقه، وتتذكري أن الحياة الزوجية -في الغالب- لا تستقيم إلا بالصبر، والتغاضي عن الهفوات، والصفح عن الزلات.

والطلاق في الأصل مبغوض شرعا؛ فلا ينبغي أن يصار إليه إلا عند تعذر جميع وسائل الإصلاح، وإذا استطاع الزوجان الإصلاح، والمعاشرة بالمعروف، ولو مع التغاضي عن بعض الهفوات، والتنازل عن بعض الحقوق، كان ذلك أولى من الفراق، وانظري الفتوى: 94320.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني