الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج في إجراء عملية التلقيح الصناعي من أجل تفادي الأمراض الوراثية المؤثرة على الحمل.
جاء في الموسوعة الميسرة في فقه القضايا المعاصرة:
إذا كان سبب اختيار جنس المولود (الجنين) هو تفادي بعض الأمراض الوراثية، فهذا النوع من التحديد والاختيار المعروف بالتحديد الطبي يُعدُّ من الضروريات، ويندرج في إطار التداوي المأمور به شرعاً.
ومن هذا المنطلق فقد اتفق القائلون بجواز التلقيح الصناعي في الجملة على جواز هذا النوع من العلاج، عند تحقق الضرورة أو الحاجة الداعية إليه.
جاء في قرار المجمع الفقهي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي أنه: لا يجوز أي تدخل طبي لاختيار جنس الجنين، إلا في حال الضرورة العلاجية في الأمراض الوراثية، التي تصيب الذكور دون الإناث، أو بالعكس، فيجوز حينئذٍ التدخل، بالضوابط الشرعية المقررة.
ومن أدلة الجواز ما يأتي:
الدليل الأول: تخريج هذه العملية على عملية التلقيح الصناعي بهدف الإنجاب، والذي ذهب أكثر المعاصرين إلى جوازه، وفق الضوابط والشروط المقررة، لأن الحاجة إلى سلامة الذرية من التشوهات والأمراض الوراثية لا تقل عن الحاجة إلى الإنجاب.
الدليل الثاني: أن من الأصول العامة للشريعة جلب المصالح ودرء المفاسد، وكذلك من القواعد الفقهية الكلية (المشقة تجلب التيسير)، وإنجاب مولود مشوه أو مصاب بأمراض وراثية مزمنة يدخل الأسرة في مشقة عظيمة، فيكون ذلك سبباً للتخفيف بجواز اختيار جنس الجنين.
شروط الجواز:
وقد اشترط الفقهاء المعاصرون شروطاً لجواز اختيار جنس الجنين تفادياً لمخاطر التشوهات والأمراض الوراثية المرتبطة بجنس معين (ذكور أو إناث)، ومن تلك الشروط التي وردت الإشارة إليها في قرار المجمع الفقهي ما يلي:
1- الأمن من اختلاط الأنساب.
2- خطورة التشوه أو المرض الوراثي المتوقع.
3- أن يقرر المختصون أن اختيار جنس الجنين هو الوسيلة الوحيدة لتجنب الإصابة. اهـ.
وينبغي أن تحرصي على أن يتولى إجراء العملية طبيبات، فإن تعذر ذلك، فلا حرج عليك في أن يقوم بذلك أطباء، فالاطلاع على العورات لا يباح للضرورة وخشية الهلاك فقط كما قد يُتوهم، بل يباح للحاجة أيضًا. وتفادي الأمراض الوراثية للحمل من الحاجات المعتبرة، فيُرخص من أجلها في الاطلاع العورة.
قال العز بن عبد السلام في (قواعد الأحكام): ستر العورات واجب، وهو من أفضل المروءات، وأجمل العادات، ولا سيما في النساء الأجنبيات، لكنه يجوز للضرورات والحاجات.
أما الحاجات؛ فكنظر كل واحد من الزوجين إلى صاحبه، وكذلك نظر الشهود لتحمل الشهادات، ونظر الأطباء لحاجة المداواة، والنظر إلى الزوجة المرغوب في نكاحها قبل العقد عليها إن كانت ممن ترجى إجابتها. وكذلك يجوز النظر لإقامة شعائر الدين كالختان.
وأما الضرورات؛ فكقطع السلع المهلكات، ومداواة الجراحات المتلفات. ويشترط في النظر إلى السوءات لقبحها من شدة الحاجة ما لا يشترط في النظر إلى سائر العورات.
وكذلك يشترط في النظر إلى سوأة النساء من الضرورة والحاجة ما لا يشترط في النظر إلى سوأة الرجال، لما في النظر إلى سوءاتهن من خوف الافتتان، وكذلك ليس النظر إلى ما قارب الركبتين من الفخذين، كالنظر إلى الأليتين. اهـ.
وفي مغني المحتاج للشربيني: واعلم أن ما تقدم من حرمة النظر والمس هو حيث لا حاجة إليهما.
وأما عند الحاجة فالنظر والمس مباحان لفصد وحجامة وعلاج ولو في فرج للحاجة الملجئة إلى ذلك؛ لأن في التحريم حينئذ حرجًا، فللرجل مداواة المرأة وعكسه. اهـ.
وفي «كشاف القناع» للبهوتي: ولطبيب نظر ولمس ما تدعو الحاجة إلى نظره ولمسه حتى ذلك فرجها وباطنه، لأنه موضع حاجة وظاهره ولو ذميًا، قاله في المبدع، ومثله المغني ...
ومثله، أي: الطبيب من يلي خدمة مريض أو مريضة في وضوء واستنجاء وغيرهما، وكتخليصها من غرق وحرق ونحوهما، وكذا لو حلق عانة من لا يحسن حلق عانته نصًا وظاهره ولو ذميًا، وكذا لمعرفة بكارة وثيوبة وبلوغ، لأنه -صلى الله عليه وسلم- «لما حكم سعدًا في بني قريظة كان يكشف عن مؤتزرهم»، وعن عثمان أنه أتي بغلام قد سرق فقال انظروا إلى مؤتزره، فلم يجدوه أنبت الشعر، فلم يقطعه. اهـ.
وراجعي للفائدة الفتوى: 95014
والله أعلم.