الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توبة غير المسلم من الغيبة والربا

السؤال

أنا بنت عمري: 15 سنة، وغير مسلمة، وأحتاج إلى دعواتكم لي أن يوفقني الله للتوبة من الغيبة، وأكل الربا. ومن الصعب عليَّ أن أُرجع الأموال، أو أن أذهب إلى الناس الذين تكلمت عليهم بسوء. فأرجو الدعاء لي أن ييسر الله لي التوبة، ويهديني للإسلام، كما أحس بقساوة القلب، والتكبر، والبخل، وأعتقد أن ذلك بسبب الذنوب.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يتوب عليك، ويوفقك لما فيه رضاه، ويشرح صدرك للإسلام، فإنك إذا أسلمتِ لله تعالى، فإن الله يغفر لك جميع ذنوبك ويمحو عنك كل ما سبق من سيئاتك، كما قال تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ {الأنفال: 38}. وقال تعالى: قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {*} وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ {الزمر:53 - 54} وقال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا {*} يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا {*} إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان: 68 - 69 - 70}

وروى مسلم في صحيحه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما « أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا، ثُمَّ أَتَوْا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو لَحَسَنٌ، وَلَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً، فَنَزَلَ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} وَنَزَلَ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ

واعلمي أنما تشعرين به من تعاظم الذنوب في قلبك دليل خير وبداية الطريق إلى الرشد لمن وفقه الله تعالى، فقد حصل ذلك لأناس من الصحابة قبل أن يسلوا فلما جاءوا للنبي صلى الله عليه وسلم بشرهم أن إسلامهم يمحو ما سبقه من سيئاتهم بل إن تلك السيئات تبدل حسنات فضلا من الله وكرما، روى الطبراني في المعجم الكبير عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ، قَالَ: جَاءَ شَابٌّ، فَقَامَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَدَعْ سَيِّئَةً إِلَّا عَمِلَهَا، وَلَا خَطِيئَةً إِلَّا رَكِبَهَا، وَلَا أَشْرَفَ لَهُ سَهْمٌ فَمَا فَوْقَهُ إِلَّا اقْتَطَعَهُ بِيَمِينِهِ، وَمَنْ لَوْ قُسِّمَتْ خَطَايَاهُ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَغَمَرَتْهُمْ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَسْلَمْتَ؟» أَوْ: «أَنْتَ مُسْلِمٌ؟» قَالَ: أَمَّا أَنَا ، فَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، قَالَ: «اذْهَبْ ، فَقَدْ بَدَّلَ اللهُ سَيِّئَاتِكَ حَسَنَاتٍ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَغَدَرَاتِي وَفَجَرَاتِي؟ قَالَ: «وَغَدَرَاتُكَ وَفَجَرَاتُكَ» ثَلَاثًا فَوَلَّى الشَّابُّ، وَهُوَ يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْمَعُهُ يُكَبِّرُ، حَتَّى تَوَارَى عَنِّي.

وروى مسلم في صحيحه عن الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال -وهو يروي قصة إسلامه-: فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ. قَالَ عمرو: فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ: مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟ قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ. قَالَ: تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟ قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟.

فبادري بالدخول في الإسلام فورا، فإن ذلك لا يتطلب منك إلا أن تشهدي أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتعملي بشرائع الإسلام، وسينعكس ذلك مباشرة على حياتك الدنيوية سعادةً وطمأنينةً وانشراحَ صدر، وهو السبيل الوحيد للنجاة من عذاب الله في الآخرة قال الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران: 85}.

وأما ما بيدك من مال ربوي كسبته قبل إسلامك، فلا حرج عليك أن تنتفعي به بعد ما تسلمين، قال تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة: 275}.

وأما الغِيبة: فتوبتك منها تحصل بأن تستغفري بعد إسلامك لمن وقعت في غِيبتهم من أهل الإسلام، ويكفيك هذا -إن شاء الله-.

واعلمي أن رحمة الله وسعت كل شيء، وأنه يفرح بتوبتك فرحا عظيما -تبارك وتعالى- والمأمول من فضله إذا أقبلت عليه، واخترت دينه الحق لتعتنقيه أن يزيل قساوة قلبك، ويصلح حالك، وييسر جميع أمرك، نسأل الله في الختام أن يهديك، ويشرح صدرك للحق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني