الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كنت قد اشتريت السلعة جاهلا بسعرها المعتاد، ولم يحصل منك تفريط بالاستعجال في الشراء قبل معرفة السعر المعتاد؛ فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنّ من حقّك فسخ هذا البيع، ما دام فرق السعر فاحشا.
ولم يجعلوا لك الحقّ في إلزام البائع برد فرق السعر إليك؛ فإما أن تفسخ البيع، وإما أن تمسك السلعة ولا تسترد شيئا من الثمن.
جاء في المغني لابن قدامة: ويثبت الخيار في البيع للغبن في مواضع: أحدها: المسترسل إذا غبن غبنا يخرج عن العادة فله الخيار بين الفسخ والإمضاء. وبهذا قال مالك.
وقال ابن أبي موسى: وقد قيل: قد لزمه، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي؛ لأن نقصان قيمة السلعة مع سلامتها لا يمنع لزوم العقد كبيع غير المسترسل وكالغبن اليسير.
ولنا أنه غبن حصل لجهله بالمبيع؛ فأثبت الخيار كالغبن في تلقي الركبان.
فأما غير المسترسل فإنه دخل على بصيرة بالغبن فهو كالعالم بالعيب، وكذا لو استعجل فجهل ما لو تثبت لعلمه لم يكن له خيار؛ لأنه انبنى على تقصيره وتفريطه.
والمسترسل هو: الجاهل بقيمة السلعة، ولا يحسن المبايعة. قال أحمد: المسترسل الذي لا يحسن أن يماكس، وفي لفظ الذي لا يماكس. فكأنه استرسل إلى البائع فأخذ ما أعطاه من غير مماكسة ولا معرفة بغبنه.
فأما العالم بذلك والذي لو توقف لعرف إذا استعجل في الحال فغبن؛ فلا خيار لهما.
ولا تحديد للغبن في المنصوص عن أحمد، وحده أبو بكر في "التنبيه" وابن أبي موسى في "الإرشاد" بالثلث. وهو قول مالك؛ لأن الثلث كثير بدليل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «والثلث كثير». وقيل: بالسدس.
وقيل: ما لا يتغابن الناس به في العادة؛ لأن ما لا يرد الشرع بتحديده يرجع فيه إلى العرف. انتهى.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنّ من حق المشتري أن يمسك السلعة، ويأخذ الفرق بين الثمن الذي دفعه وبين الثمن المعتاد.
جاء في كشاف القناع: قال ابن رجب في شرح الأربعين النووية: ويحط ما غبن به من الثمن أي يسقط عنه، ويرجع به إن كان دفعه، ذكره الأصحاب. قال المنقح: ولم نره لغيره، وهو قياس خيار العيب والتدليس على قول. انتهى.
لكنّ البائع صالحك على أن يعطيك نصف الفرق بين الثمنين، فرضيت بذلك في الظاهر، وأخذته منه؛ فلا حقّ لك في الرجوع في هذا الصلح والاحتيال بأخذ المال دون رضا البائع.
وعليه؛ فليس لك أن تمتنع من دفع ثمن السلعة التي اشتريتها، وإذا فعلت ذلك فهذا أكل للمال بالباطل.
والله أعلم.