الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي فهمناه من السؤال أن السائل باع الجهاز لهذا المحل مع بيان عيبه، ولكنه جعل للمحلّ (المشتري) الخيار في ردّه إذا لم يستطع المحل بيعه، وهذا أجل مجهول للردّ.
فإن كان كذلك؛ فهذا هو خيار الشرط، وهو لا يصحّ عند جمهور الفقهاء، إلا إلى أجل معلوم، وفي رواية عند الحنابلة أنه يصحّ مطلقًا دون أجل معلوم، -كما هو الحال في السؤال-
قال ابن قدامة في الكافي: خيار الشرط، نحو: أن يشترط الخيار في البيع مدة معلومة؛ فيجوز بالإجماع، ويثبت فيما يتفقان عليه من المدة المعلومة ... وإن لم يجعل له مدة معلومة؛ فهو كالخيار المجهول. اهـ. ثم قال: فإن شرطا خيارًا مجهولًا؛ لم يصحّ، لأنها مدة ملحقة بالعقد، فلم تصحّ مجهولة، كالتأجيل.
وهل يفسد العقد به؟ على روايتين.
وعنه: أنه يصحّ مجهولًا؛ لقوله عليه السلام: «المسلمون على شروطهم» رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
فعلى هذا؛ إن كان الخيار مطلقًا، مثل أن يقول: لك الخيار متى شئت، أو إلى الأبد؛ فهما على خيارهما أبدًا، أو يقطعاه. اهـ.
ومذهب الجمهور هو الأرجح، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا بدّ من تقييد الخيار بمدة معلومة، مضبوطة من الزيادة والنقصان؛ فلا يصحّ اشتراط خيار غير مؤقت أصلًا، وهو من الشروط المفسدة عند الجمهور ... والحكمة في توقيت المدة أن لا يكون الخيار سببًا من أسباب الجهالة الفاحشة التي تؤدّي إلى التنازع، وهو مما تتحاماه الشريعة في أحكامها. اهـ.
وإذا لم يصحّ الشرط؛ فهل يفسد معه العقد، أم يصحّ العقد ويبطل الشرط، أو يعدّل؟
خلاف بين أهل العلم، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: في الخيار المطلق عن المدة تتّجه المذاهب إلى أربعة اتجاهات:
- بطلان العقد أو فساده.
- بطلان الشرط دون العقد.
- صحة العقد وتعديل الشرط.
- صحة العقد وبقاء الشرط بحاله.
أ - بطلان العقد أو فساده؛ فالبطلان هو ما ذهب إليه من الفقهاء الشافعية، والحنابلة - في إحدى الروايتين-.
- وذهب الحنفية إلى فساده، ولم يفرّقوا هنا بين الجهالة المتفاحشة، أو المتقاربة ...
ب - بطلان الشرط دون العقد، وهو رواية لأحمد، ومذهب ابن أبي ليلى.
ج - صحة العقد وتعديل الشرط؛ فالخيار المطلق أو المؤبد هنا يخوّل القاضي تحديد المدة المألوفة في العادة لاختبار مثل السلعة التي هي محل العقد؛ لأن الخيار مقيّد في العادة، فإذا أطلقا؛ حمل عليه، وهذا مذهب مالك.
وقد اختار ابن تيمية أن العاقدين إن أطلقا الخيار ولم يوقتاه بمدة، توجّه أن يثبت ثلاثًا؛ لخبر حبان بن منقذ.
د - صحة العقد وبقاء الشرط بحاله؛ فيبقى الخيار مطلقًا أبدًا كما نشأ؛ حتى يصدر ما يسقطه، وهذا مذهب ابن شبرمة، وقول لأحمد. اهـ.
وعلى القول بفساد العقد؛ فيجب فسخه، وردّ الثمن للمحلّ، واسترداد الجهاز، وإجراء عقد جديد بعد ذلك، إن شاؤوا.
وأما على القول بصحة العقد، ولو مع فساد الشرط أو تعديله؛ فلا حرج على السائل في استبقاء الثمن، والانتفاع به.
ويمكن للسائل أن يراجع المحل، ويتفق معه على مدة خيار معلومة لردّ الجهاز؛ لتصحيح العقد والشرط معًا.
والله أعلم.