الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الاحتفاظ بعظمة من العظام واتخاذها للزينة

السؤال

قبل فترة عملت عملية جراحية لاستئصال عظمتين، فهل يجوز لي الاحتفاظ بهما، أم يجب دفنهما؟ أعلم أن الأفضل دفنهما، لكن هل عليّ شيء اذا احتفظت بهما؟ وهل عليّ شيء إذا وضعتهما على مكتبي، كنوع من الزينة، أو علّقتهما على قلادة؟ مع العلم أنه سيتم حفظهما بطريقة لن تؤدّي إلى ضرر، مثل نشر مرض، أو شيء من هذا القبيل -إن شاء الله-، وأريد الاحتفاظ بهما لأني أحبّ جمع هذه الأشياء فقط، وليس هناك سبب آخر -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن المشروع فيما أخذه المسلم من أعضائه -عظمًا كان، أو شعرًا، أو ظفرًا-، هو دفنه؛ تكريمًا للإنسان؛ لقوله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ {الإسراء: 70}، وصونًا لحرمته من أن تُهان، أو تمتهن، بقصد، أو بغير قصد، وذلك ما لم يكن الاحتفاظ به لأغراض علاجية، أو تعليمية مشروعة؛ بشرط أن يكون الاحتفاظ به بطريقة تليق بكرامة الإنسان، واحترامه.

قال النووي في المجموع: والدفن لا يختصّ بعضو من عُلِم موته، بل كل ما ينفصل من الحي -من عضو، وشعر، وظفر، وغيرهما من الأجزاء- يستحبّ دفنه، وكذلك توارى العلقة، والمضغة، تلقيهما المرأة، وكذا يوارى دم الفصد، والحجامة. انتهى.

ونقل النووي في المجموع عن المتولي، أنه قال: لا خلاف أن اليد المقطوعة في السرقة والقصاص لا تغسل، ولا يصلّى عليها، ولكن ‌تُلَفُّ ‌في ‌خرقة، ‌وتدفن، وكذا الأظفار المقلومة، والشعر المأخوذ من الأحياء، لا يصلّى على شيء منها، لكن يستحبّ دفنها. انتهى.

وفي المغني لابن قدمة: وقال مهنا: سألت أحمد عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره، أيدفنه أم يلقيه؟

قال: يدفنه.

قلت: بلغك فيه شيء؟

قال: كان ابن عمر يدفنه، وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه أمر بدفن الشعر، والأظفار، وقال: لا يتلاعب به سحرة بني آدم».

أما الاحتفاظ به للزينة، أو الذّكرى، وتعليقه قلادة، ونحو ذلك؛ فإنه لا يخلو من كراهة في أقلّ أحواله؛ لما في ذلك من العبث الذي يتنزّه عنه المسلم، والامتهان الذي ينافِي التكريم، الذي كرّم الله به ابن آدم، كما أن الاحتفاظ بهذه الأشياء قد يؤدّي إلى استخدامها فيما يضرّ، كما لو وقعت في أيدي السّحرة الذين يستخدمون هذه الأشياء في إيذاء الإنسان.

ومحلّ تلك الكراهة ما لم يكن الاحتفاظ بذلك العضو مظنّة لاستعماله فيما يحرم، أو يترتب على ذلك حصول محظور ما، فإن كان؛ حرُم الاحتفاظ به -عند بعض أهل العلم-، وتعيّن دفنه، أو إلقاؤه في ما يتحقّق به الستر، والدفن أولى.

قال البجيرمي في حاشيته: ‌ينبغي ‌تقييده ‌بغير ‌ظفر عورةٍ، وشعرها، أما لو كان منها -كعانة الرجل، وظفر وشعر امرأة وخنثى-؛ فينبغي وجوب الستر؛ لحرمة النظر إليه؛ لكن هل يكتفَى بإلقائها في الأخلية لوجود السّتر أو لا؟ الظاهر الاكتفاء، لكن مع الكراهة. انتهى. وللمزيد راجعي الفتويين: 9187، 38921.

وعليه؛ فينبغي في عظم المرأة سَترها بالدفن، ونحوه؛ لحرمة النظر إليها، كحرمته حال اتصالها بالحيّ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني