السؤال
كنت حاملًا في الشهر السابع، وأصيبت ابنتي البالغة من العمر خمس سنوات بمرض فيروسي. علمت أن هذا المرض يشكل خطرًا كبيرًا على الجنين الذي في بطني، أكثر من خطره على ابنتي. ومع ذلك، كنت أقترب منها وألتصق بها، لأنها كانت تعاني من حمى شديدة. كان زوجي يحثني على الابتعاد عنها قدر الإمكان، لكن قلبي كأم حزينة على ابنتها لم يستطع تقبل ذلك. كيف أبتعد عنها وهي تتألم بين يدي بسبب شدة الحمى؟
اضطررنا إلى إدخالها إلى المستشفى لتلقي الرعاية الطبية، وبعد أن تحسنت، بدأت أشعر بتشنجات وقلة حركة للجنين في بطني. كنت أدرك أنه ربما تأثر بمرض أخته، لكنني رفضت مراجعة طبيبة النساء والتوليد بحجج واهية، وكلما اقترح زوجي أن نذهب للطبيبة، أرفض بحجة انتظار تحسن ابنتي، أو لأنني مرهقة، أو لانشغالي بأمور أخرى. كان هذا الرفض مصحوبًا بعناد تجاه زوجي، الذي لا ينفق عليّ ولا على أطفاله.
استمرت حالة الجنين بالتدهور، ومع ذلك كنت أؤجل زيارة الطبيبة، وعندما اشتد الألم، وبدأ ماء الجنين بالنزول، ذهبت أخيرًا للطبيبة، فأخبرتني أن جسم الجنين امتلأ بالسوائل، لكن نبضه ما زال موجودًا. أجرت لي عملية قيصرية لإنقاذه، إلا أن الطفل خرج ميتًا بسبب تأخر الوقت.
ماذا عليّ من عقوبة بسبب إهمالي؟ وماذا على زوجي، الذي لا يعرف سوى إصدار الأوامر دون أن يقوم بواجبه الأساسي في النفقة على أطفاله؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دمت علمت أنّ هذا المرض الذي أصاب ابنتك يضر بالجنين؛ فقد كان عليك الاحتياط، وترك الاقتراب من ابنتك المريضة، وبعد أن خالفت ذلك، وظهرت أعراض الضرر على الجنين؛ كان عليك أن تطيعي زوجك وتذهبي إلى الطبيبة. فتجب عليك التوبة إلى الله تعالى من هذا التفريط.
وأمّا بخصوص موت الجنين؛ فإن ثبت أنّه مات بسبب اقترابك من البنت المريضة، أو بسبب تأخرك في الذهاب إلى الطبيبة؛ فالظاهر لنا -والله أعلم- أنّك بذلك تكونين قد تسببت في موته؛ فقد جاء في الموسوعة الفقهية: وسائل الإجهاض كثيرة قديما وحديثا وهي إما إيجابية وإما سلبية.
فمن الإيجابية: التخويف، أو الإفزاع، كأن يطلب السلطان من ذكرت عنده بسوء فتجهض فزعًا.
ومنها: شم رائحة، أو تجويع، أو غضب، أو حزن شديد نتيجة خبر مؤلم، أو إساءة بالغة، ولا أثر لاختلاف كل هذا.
ومن السلبية: امتناع المرأة عن الطعام، أو عن دواء موصوف لها لبقاء الحمل.
ومنه ما ذكره الدسوقي: من أن المرأة إذا شمَّت رائحة طعام من الجيران مثلًا، وغلب على ظنها أنها إن لم تأكل منه أجهضت، فعليها الطلب، فإن لم تطلب، ولم يعلموا بحملها حتى ألقته، فعليها الغرة لتقصيرها ولتسببها. انتهى.
وقال الماوردي -رحمه الله-: ولو امتنعت الحامل من الطعام والشراب حتى ألقت جنينها، وكانت الأجنة تسقط من جوع الأم وعطشها نظر: فإن دعتها الضرورة إلى الجوع والعطش للإعواز والعدم، فلا ضمان عليها، وإن لم تدعها ضرورة إليه ضمنته. انتهى.
وعليه؛ فإن ثبت بكلام الأطباء المختصين أنّ الجنين مات بسبب تفريطك؛ فعليك مع التوبة والاستغفار دية الجنين، وهي: خمس من الإبل، أو خمسون مثقالاً من الذهب (212.5 جراماً من الذهب)، وعليك الكفارة عند جمع من العلماء. وانظري الفتوى: 301054.
وإذا كان زوجك لا ينفق عليك ولا على أولاده الصغار بالمعروف، مع قدرته على الإنفاق؛ فهو آثم إثمًا مبينًا، ففي سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت. وفي صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته.
والله أعلم.