السؤال
تعلمنا منذ نعومة أظافرنا حرمة قطيعة الرحم، ولكن إذا كان رحمي هو من قطعني، ولا يريد التواصل معي، مع أنه هو من آذاني، وأنا لا أحمل ضغينة له، لخوفي من غضب الله.
سألتُ شيخًا وقال: يجب أن تحاول معه. أليس في هذا منقصة لكرامة الإنسان؟ يعني، حياتي بدون هؤلاء الناس أو معهم لم يتغير فيها شيء، ولكن خوفي من الله وعقابه أدى لإحراجي في الكثير من المواقف، ووضعني في موقف الشخص الضعيف، مع أني -ويشهد الله- على حق. فماذا نفعل مع رحمنا؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشخص إذا كان يحبّ أن يصل رحمه، ويحرص على ذلك، ولكنهم يقطعونه، فالإثم على القاطع لا عليه هو، كما سبق وأن أوضحنا ذلك في الفتوى: 225877.
وقد نبهنا فيها على أهمية الصبر على ذي الرحم المؤذي، ونبهنا فيها -أيضًا- إلى الترغيب في الصلح، وتوسيط أهل الخير للقيام بذلك.
والأفضل والأكمل صلته وإن قطع، بل قد أمر الشرع بصلته وإن قطع، ففي مسند أحمد عن عقبة بن عامر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا عقبة، صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعرض عمن ظلمك.
فإن استمرّ على القطيعة، فالإثم عليه لا عليك.
قال المناوي في فيض القدير: (صل من قطعك) بأن تفعل معه ما تُعد به واصلًا، فإن انتهى فذاك، وإلا، فالإثم عليه. انتهى.
وصلة القاطع وإن كان ظاهرها إذلالًا للنفس، إلا أن ذلك فيه عمل بالفضائل، وأخذ بمكارم الأخلاق، وعاقبة ذلك عزُّ الدنيا والآخرة، كما هو الحال في العفو عن الظالم، فظاهره إذلال النفس، ولكن أخبرت السنة الصحيحة أن عاقبة ذلك العز، كما في الحديث: وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا. رواه مسلم.
والصبر على أذى المؤذي، ودفع إساءته بالإحسان، مع كونها قربة عظيمة، فيمكن أن تكون ثمرتها ألفة، ومودة، قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت: 34}.
قال ابن كثير في تفسيره: أي: إذا أحسنت إلى من أساء إليك، قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك، ومحبتك، والحنو عليك، حتى يصير كأنه ولي لك حميم، أي: قريب إليك من الشفقة عليك، والإحسان إليك. انتهى. وراجع الفتوى: 24115.
وينبغي أيضًا الإكثار من الدعاء بأن ييسر المولى -تبارك وتعالى- الإصلاح، ويؤلف بين القلوب، فهو سبحانه مالك هذه القلوب، يقلبها كيف يشاء، وهو على كل شيء قدير، وكل أمر عليه يسير، وهو مجيب الدعاء، قال الله -عزَّ وجلَّ- في محكم كتابه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة: 186}. ولمزيد الفائدة نرجو مراجعة الفتوى: 119608.
والله أعلم.