الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام فسخ إجارة البيت بسبب طارئ، وتحمُّل الأضرار التي لحقت به

السؤال

أنا صاحب عقار، دفع لي المستأجر أجرة لمدة سنتين مقدمًا، بهدف الحصول على سعر إيجار أفضل بالنسبة له. مضت السنة الأولى، واستخدم العقار، ولكن حدثت الحرب قبل بداية السنة الثانية، وبسبب الحرب لم يتمكن من استخدام العقار، لعدم القدرة على ذلك. كما أن الحرب تسببت في أضرار بالعقار. فهل يحق للمستأجر المطالبة بمبلغ الإيجار الذي دفعه؟ ومن يتحمل صيانة الأضرار التي حدثت؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأصل أن عقد الإجارة عقد لازم من الطرفين في قول الجمهور، وأنه ليس لواحد منهما فسخه إذا وقع صحيحًا، ويترتب على ذلك ملك المؤجر للأجرة، وملك المستأجر للمنفعة خلال المدة المتفق عليها.

لكن قد يحصل أثناء المدة المتفق عليها ما يقتضي حق أحد الطرفين في المطالبة بفسخ العقد، ومثَّل الجمهور لذلك بمن استأجر شخصًا لقلع ضرسه الذي يؤلمه، فزال الألم، فله فسخ العقد حينئذ. كما مثَّلوا -أيضًا- بالعذر الحسي المتعلق بمصلحة عامة، كأن يحدث خوف عام يمنع المستأجر من السكن في المكان الذي به العين المستأجرة.

وتوسع الأحناف في الأعذار المبيحة لفسخ عقد الإجارة، فقالوا -كما في البدائع وحاشية ابن عابدين، وغيرهما من كتبهم-: إن كل ما يُعْجِزُ العاقد عن المضي في موجب العقد إلا بتحمل ضرر زائد لم يستحقه بالعقد، يعتبر عذرًا.

وهذا بناء على أن عقد الإجارة عندهم منعقد ساعة فساعة، على حسب حدوث المنفعة، والمنافع لا تملك جملة واحدة، بل شيئًا فشيئًا، فيكون اعتراض العذر فيها بمنزلة عيب حدث قبل القبض يوجب الفسخ.

وذكروا من الأعذار المعتبرة في الفسخ من جانب المستأجر: ما لو استأجر دكانًا فأفلس، وقام من السوق، أو استأجر دارًا للسكن، ثم اضطر للرحيل عن البلد، أو استأجر شخصًا لمصلحة يأملها، ثم بدا له أنه لا مصلحة له في ذلك، فهذه أعذار تفسخ بها الإجارة عندهم.

جاء في رد المحتار على الدر المختار في معرض ذكر أعذار فسخ الإجارة: وبعذر إفلاس مستأجر دكان إذا كسد سوقها، حتى لا يمكنه التجارة، وكذا لو استأجر عقارًا، ثم أراد السفر، وكذا الانتقال من المصر عذر في نقض إجارة العقار، لأنه لا يمكن الانتفاع إلا بحبس نفسه، وهو ضرر. اهـ.

وخلاصة القول؛ أن من حق المستأجر فسخ العقد في المدة التي لا يستطيع الانتفاع بالعقار فيها بسبب الأحداث المذكورة في السؤال، وتردّ إليه ما يقابل تلك المدة.

والأضرار التي لحقت بالعقار بسبب تلك الأحداث، وليس للمستأجر يد فيها، لا يضمنها، لعدم حصول تعدٍّ منه، أو تفريط.

قال الشربيني، وهو شافعي: ويد المكتري على المستأجر من الدابة، والثوب، وغيرهما، يد أمانة مدة الإجارة جزماً، فلا يضمن ما تلف فيها بلا تقصير. مغني المحتاج.

وجاء في قرار المجمع الفقهي: ضمان العين المؤجرة على المالك لا على المستأجر، وبذلك يتحمل المؤجر ما يلحق العين من ضرر غير ناشئ من تعدي المستأجر، أو تفريطه. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني