الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

واجب الجنب إذا منعه أهله من الاغتسال بسبب البرد، وصلى جنبا

السؤال

كنتُ مبتلًى بممارسة العادة السرية، ثم منَّ الله عليَّ بالتوبة، فامتنعت عنها لأكثر من أسبوع، فشعرت بسعادة غامرة لقربي من الله. لكن سرعان ما وسوس لي الشيطان، واستجابت نفسي الأمارة بالسوء، فعدت إليها مرة أخرى. أشعر بالندم والحزن، وقد عزمتُ على التوبة مجددًا. فهل التوبة الصادقة تمحو ما سبقها من الذنوب؟
سأبذل جهدي في مجاهدة نفسي حتى لا أسقط في هذا الذنب مرة أخرى، كما فعلت سابقًا عندما استطعت التغلب عليه.
انصحوني، ما السبيل إلى التقرب من الله وزيادة محبته لي؟ وما حكم من وقع في العادة السرية ولم يتمكن من الاغتسال فورًا بسبب منع أهله له خشية المرض أو البرد، فصلى جميع صلواته على هذه الحال، ثم اغتسل بعد يوم أو أكثر؟ وكيف يحسب الصلوات التي أداها وهو على جنابة، خاصة أن هذا الأمر تكرر لأكثر من سنتين؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد تضمّن سؤالك عدّة مسائل، وسنجيب عنها تباعًا إن شاء الله تعالى:

أولاً: قولك: فهل التوبة الصادقة تمحو ما سبقها من الذنوب؟

فالجواب: نعم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه.

ونوصيك بالاستمرار في العزم على الإقلاع عن هذه العادة، ولو عدت مرة، بل ولو مرات أخرى، فلا تيأس؛ فإنه يغفر لك ما دمت كلما أذنبت؛ تبت توبة صادقة، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان، وأحمد من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يحكيه عن ربه عزَّ وجلَّ، قال: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا، فعلم أن له ربًا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. اعمل ما شئت، فقد غفرت لك. قال النووي: معناه: ما دمت تذنب ثم تتوب، غفرت.

ثانيًا: قولك: انصحوني، ما السبيل إلى التقرب من الله وزيادة محبته لي؟

فعليك بعبادته -سبحانه- وذلك بالإكثار من قراءة القرآن، وأداء الصلاة المفروضة بشروطها وأركانها، ثم النوافل. وعليك بالابتعاد عن المعاصي، وانظر للمزيد من التفصيل الفتوى: 131509، وما أحيل عليه فيها.

ثالثًا: قولك: وما حكم من وقع في العادة السرية ولم يتمكن من الاغتسال فورًا، بسبب منع أهله له خشية المرض أو البرد، فصلى جميع صلواته على هذه الحال، ثم اغتسل بعد يوم أو أكثر؟ وكيف يحسب الصلوات التي أداها وهو على جنابة، خاصة أن هذا الأمر تكرر لأكثر من سنتين؟

فإن كان خوف الأهل عليك -خاصة الوالدين- من الاغتسال بالماء له ما يبرره؛ كأن يكون الجو باردًا، ولا يوجد ما يسخن به الماء، ويخافون عليك الضرر حقيقة، فإن لك أن تعدل عن الغسل إلى التيمم، ويلزمك طاعة والديك في ذلك؛ لكونهما أمراك بما رخص لك فيه الشرع، ولهما فيه غرض صحيح.

وإن كان خوفهما ليس له ما يبرره؛ كأن يوجد ما يسخن به الماء، أو أمكنك الاغتسال من غير خوف حدوث ضرر، فإنه لا يجوز لك العدول إلى التيمم، ويجب عليك الغسل، ولا تصح صلاتك بدون غسل، ويحرم عليك طاعة والديك في ترك الاغتسال، وأحرى غيرهما.

واعلم أن الغسل من الجنابة واجب على من أصابته الجنابة، وأن الجنب لا يُجزئه غير الغسل إذا قدرَ عليه، فإن لم يستطع استعمال الماء كأن يخاف الضرر أو المرض بسبب البرد، فإنه يتيمم حتى يزول عذره، لقوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا {المائدة: 6}.

وبناء على هذا؛ فإذا أمكنك أن تسخن الماء، أو تغتسل به باردًا دون أن يكون عليك في ذلك ضرر، فلم تفعل، وصليت جنباً، فعليك أن تعيد الصلاة؛ لأنك صليتها بغير طهارة، ولم يكن لك عذر.

أمّا إن كنت لم تقدر على شيء من ذلك، فصليت بالتيمم، فقد سقط عنك الفرض، ولا تلزمك الإعادة.

فالحاصل؛ أن عدم اغتسالك إن كان لعذر حقيقي، وصليت بالتيمم؛ فصلاتك صحيحة، ولا إعادة عليك.

أمّا إن كنت قد صليت بغير غسل بلا عذر؛ فصلاتك باطلة، وعليك إعادتها، وانظر الفتويين: 131432، 19776.

وإذا كان ذلك تكرر منك لسنوات، فحاول تذكر عدد الصلوات، وإذا لم تستطيع تذكر ما فاتك من الصلاة بيقين، فتحرَّ، واجتهد في تحديدها قدر المستطاع، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وانظر الفتوى: 58935.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني