السؤال
أسعى إلى إطلاق مبادرة مجتمعية لدعم الأطفال اللقطاء، بهدف تصحيح المفاهيم والموروثات الخاطئة، مثل الاعتقاد بأنهم أبناء زنا ولا حقوق لهم، أو أنهم يرثون طباع وأخلاق والديهم البيولوجيين بسبب "العرق دساس"، مما يؤدي إلى رفضهم بناءً على هذا الأساس.
تهدف المبادرة إلى تشجيع الناس، وخصوصًا مَن لا يستطيعون الإنجاب، على كفالة هؤلاء الأطفال كفالةً كاملة، وذلك من خلال اتباع الطريقة الطبية لإدرار لبن الزوجة، ليصبح الطفل ابنًا لها من الرضاعة، مع الالتزام بعدم نسبته للأسرة، وفقًا للقانون الذي ينص على تسجيل اسم الزوج بعد اسم الطفل، أو إضافة اسم العائلة الأخير، مع اختلاف بقية الأسماء، حتى لا يُنسب إليهم شرعًا، ويحدث اختلاط في الأنساب. فما حكم هذا العمل؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تربية اللقيط فرض كفاية على المسلمين، يؤجر فاعلها، ويأثم الجميع بتركها.
وأمّا اتخاذ طريقة لإدرار لبن الزوجة، ليصبح الطفل ابنها من الرضاعة، فإنه لا حرج فيه إن لم يكن فيه ضرر عليها، وإذا حصل، يكون محرّما عليها، وكذلك بناتها، وأخواتها عند الجمهور.
جاء في البيان والتحصيل لابن رشد: وسئل -يعني مالكًا- عن المرأة تشرب الشجرة، فيدر بشربها لبنها فترضع به، أيحرم بذلك الرضاع؟ فقال: نعم، يحرم بذلك، أليس بلبن؟ فقال: بلى، فقال: نعم، يحرم بذلك...
قال محمد بن رشد: قوله: إن المرأة إذا درّ لبنها بشيء تشربه، فأرضعت به، إنه لبن يحرم، هو مثل ما في المدونة من أن لبن الجارية البكر يحرم، وأن لبن النساء يحرم على كل حال، بظاهر قول الله عزّ وجلّ: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23]، ولم يخص ذات زوج ممن لا زوج لها. اهـ.
وقال ابن قدامة -رحمه الله-: وإن ثاب لامرأة لبن من غير وطء، فأرضعت به طفلاً: نشر الحرمة في أظهر الروايتين، وهو قول ابن حامد، ومذهب مالك، والثوري، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وكل من يحفظ عنه ابنُ المنذر؛ لقول الله تعالى: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم)؛ ولأنه لبن امرأة فتعلق به التحريم، كما لو ثاب بوطء؛ ولأن ألبان النساء خلقت لغذاء الأطفال، فإن كان هذا نادراً، فجنسه معتاد.
والرواية الثانية: لا تنشر الحرمة؛ لأنه نادر، لم تجرِ العادة به لتغذية الأطفال، فأشبه لبن الرجال. والأول أصح. انتهى.
ولكن زوج هذه المرأة لا يصير أباً للطفل من الرضاع؛ لكون اللبن نزل بسبب الدواء، ولا علاقة له بالزوج، وليس ناتجًا عن علاقته بزوجته، وإنما يعتبر الولد ربيبه من الرضاع عند الجمهور.
وقد جاء في الفتاوى الهندية: رجل تزوج امرأة ولم تلد منه قط، ثم نزل لها لبن، فأرضعت صبيًا. كان الرضاع من المرأة دون زوجها، حتى لا يحرم على الصبي أولاد هذا الرجل من غير هذه المرأة. اهـ.
وأما عدم نسبته للأسرة، فهو الواجب للآية: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ {الأحزاب: 5}.
ولكن يمكن أن يُعطى له اسم عام، وينسب لمدينة، أو بلد، فيسمى عبد الله بن عبد الرحمن، وينسب لبلده.
والله أعلم.