السؤال
ما حكم الأمور التي تطرأ على القلب ويميل القلب إليها، بينما تكرهها النفس وتبغضها؟ فمثلًا: قد يأتي لشخصٍ خاطر، أو تفكير في فعل معصية، ويشعر بأن قلبه يميل إلى ارتكاب هذه المعصية، لكنه في الوقت نفسه لا يريد فعلها، بل يبغضها ويحاول دفعها عنه، ومع ذلك يبقى الشعور بميل القلب نحوها.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الميل القلبي للمعصية، مع كراهة النفس لها، يدل على تدافع بين عوامل الخير والشر في الإنسان، ولا يأثم الشخص بمجرد الميل القلبي، ما لم يعزم على المعصية.
فقد قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم: إن كان الهمُّ بالمعصية خاطرًا خطر، ولم يساكنه صاحبه، ولم يعقد قلبه عليه، بل كرهه ونفر منه، فهو معفو عنه. اهـ.
وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية والمنح المرعية: وميل الطبع إلى المعصية بدون قصدها، ليس إثمًا، فظاهر هذا أنه لو قصد المعصية أثم، وإن لم يصدر منه فعل، ولا قول. اهـ.
وينبغي للعبد أن يسعى لتقوية عوامل الخير، وإضعاف عوامل الشر في حياته، وليحرص على أن يكون سليم القلب من التعلق بالشهوات وما يسخط الله تعالى، لعله يأتي بقلب سليم يوم القيامة.
ومن أعظم ما يعين على ذلك: أن يكثر من مطالعة كتب الترغيب والترهيب، وسير السلف، وقصص التائبين، وأهوال القيامة والقبور. فقد دلّت السنّة المطهرة على أن العلم بأحوال القبور والآخرة، يقمع الشهوات والأهواء، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيرًا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، والألباني.
وقد قال ابن القيم في إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان: فالقلب الصحيح: هو القلب السليم الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به، كما قال تعالى: {يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم} [الشعراء: 88-89].
وقد اختلفت عبارات الناس في معنى القلب السليم، والأمر الجامع لذلك: أنه الذي قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره. اهـ.
وأهمّ ما يصلح القلوب: قراءة القرآن، فإنه شفاء لما في الصدور، ويزيل ما فيها من أمراض الشبهات والشهوات.
ويجب التنبه إلى أن القلب محل نظر الله تعالى، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. رواه مسلم.
فيجب على المرء أن يطهره من التعلق بالمعاصي، وأن يجعله متعلقًا بالطاعات، محبًا لها، متمسكًا بها.
والله أعلم.