الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم ثبوت جريمة الزنا بوسائل التصوير الحديثة

السؤال

من المعروف لإثبات إثم أو جريمة أو كبيرة من الكبائر يلزم وجود أربعة شهود، فما موقف أجهزة الهاتف الحديثة التي بها كاميرات تصوير، فمثلاً شاهدت في هاتف أحد الأشخاص الذين أعرفهم وبالصدفة مقطعاً لإحدى السيدات اللاتي أعرفهن وهي على فراشه وتغطي جسدها بغطاء وكانت تتحدث معه، والمنطق هنا يقول إنه زنى معها وفعلا اعترف لي صاحب هذا الهاتف بأنه زنى معها، هذا ولا زلت حتى هذه اللحظة متأثراً جداً لأن من المفروض أنها سيدة محترمة وكلما رأيتها أبذل مجهوداً كبيراً لكي أتحدث معها بطريقة عادية ولا أريد أن أشعرها أني أعرف شيئاً، فهل بمجرد رؤيتي لهذا المقطع المصور واعتراف صاحب الهاتف لي أن أقتنع بأنها زانية، وهل اقتناعي بأنها زانية بهذه الدلائل يعتبر قذفاً للمحصنات حيث لم يشهد هذه الجريمة أربعة أشخاص أم ماذا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فننبه إلى أن وجود أربعة شهود إنما يشترط لإثبات الزنا فقط، وذلك لعظم إثمه وخطورة ما يترتب على ثبوته، فهو من كبائر الذنوب، ورمي المسلم به من غير بينة قاطعة من أكبر الكبائر، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور: 4].

وقال: لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النور: 13].

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: اجتنبوا السبع الموبقات... وعدَّ منها: قذف المحصنات المؤمنات الغافلات.

وما ذكرته من رؤية هذه السيدة على الفراش المذكور وتغطية جسدها بغطاء، وكانت تتحدث مع ذاك الرجل، لو كان مشاهداً في الواقع لما كان فيه ما يثبت الزنا، فكيف به في صورة قد يقع التغيير فيها عن طريق التركيب والمونتاج.

وحديث الرجل الذي أخبرك بأنه زنى بها لا يجوز تصديقه لفسقه من عدة أمور:

1- لأنه فاسق بتصوير ما لا يحل تصويره.

2- أن إقراره بالزنا فيه جارحتا فسق هما: كبيرة الزنا، وكبيرة المجاهرة به.

3- أنه إن كان كاذباً فيما أخبر به فتلك جارحة فسق أخرى.

وعليه، فتلك السيدة التي تحسبها محترمة لا يجوز أن تظن بها ما ليس لك فيه برهان، وقد نهى الله ورسوله عن الظن. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات: 12].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث. متفق عليه.

واعلم أنك أخطأت في نظرك إلى ما لا تحل رؤيته من الصور، فإن النظر إلى الصور التي يمكن أن تثير شهوة المرء لا يجوز، وإذا جزمت بما ظننته عن هذه السيدة كان في ذلك خطأ آخر، وإذا حدثتها به كان فيه خطآن: لأنه قذف لها بالفاحشة أو تعريض، ولأنه أيضاً حديث محرم إن كانت المرأة أجنبية عليك.

وأما اقتناعك بأنها زانية، فإنه لا يعتبر قذفا ما لم تنطق بما اقتنعت به، ولكنه ظن سيء بمن لا يجوز أن يظن به سوء دون برهان، ومجرد ظهور الصورة بالجهاز على الوضع الذي ذكرت غير كاف؛ لاحتمال التبديل والمونتاج كما تقدم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني