السؤال
ما حكم رجل وقع على امرأة لا تحل له عدة مرات ثم بعد ذلك قررا أن يدعوا شخصاً من العامة ليقرأ لهما الفاتحة لعقد قرانهما مع أنها لم تطهر من آخر مرة وقع عليها ثم إن ولي أمرها غير موجود وهي مطلقة وذات عيال غير أنها وكلت أحداً من أصدقاء الرجل ليكون وليها وكان معه شاهدان هم أصدقاء أيضاً وتم العقد وأعطاها مبلغ 50 درهما إماراتياً، واتخذها زوجة على أن يكون الأمر سراً عن زوجته الأخرى ثم طلقها فهل صيغة العقد صحيحة، وهل يكون محرماً لبناتها أو يمكنهن أن يكن زوجاته إذا رغب في ذلك؟ وجزاكم الله خيراً من العلم أنني مالكي.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن ما أقدم عليه هذا الرجل وهذه المرأة من ارتكاب جريمة الزنا هو كبيرة من كبائر الذنوب العظام التي توعد الله تعالى صاحبها بالعقوبة في الدنيا والعذاب الأليم يوم القيامة، فقال سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا {الفرقان:68-70}، ولمعرفة المزيد عن خطورة هذه المعصية نحيل على الفتوى رقم: 16688.
وعلى هذا، فالواجب على من ابتلي بهذه المعصية أن يبادر إلى التوبة والاستغفار والإكثار من الطاعات لعل الله تعالى يغفر له وليس ذلك على الله تعالى ببعيد، لأنه سبحانه القائل: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طـه:82}، وقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.
أما بخصوص زواج الزاني ممن زنى بها فلا بد فيه من حصول التوبة الصادقة من الطرفين وخاصة المرأة، ثم انتظار مدة الاستبراء وهي حيضة واحدة على الراجح من أقوال أهل العلم، كما بينا في الفتوى رقم: 1677.
وذهب المالكية إلى أن نكاح الزانية يكره فقط، قال الدردير في الشرح الكبير ممزوجاً بمختصر خليل: (و) كره (تزويج) امرأة (زانية) أي مشهورة بذلك، وإن لم يثبت عليها ذلك. انتهى.
ونقل المواق في التاج والإكليل عن مالك أنه قال: لا أحب للرجل أن يتزوج المرأة المعلنة بالسوء، ولا أراه حراماً. انتهى.
كما ذهب المالكية أيضاً إلى أن الحرة تستبرأ بثلاث حيضات. قال الدسوقي المالكي: وإذا زنت المرأة أو اغتصبت وجب عليها الاستبراء بثلاث حيض إن كانت حرة.
ومن أقدم على الزواج قبل انتهاء مدة الاستبراء أثم وفسخ نكاحه أبداً، قال صاحب مواهب الجليل المالكي: ومن زنى بامرأة ثم تزوجها قبل الاستبراء فالنكاح يفسخ أبداً، وليس فيه طلاق ولا ميراث ولا عدة وفاة، والولد بعد عقد النكاح لاحق فيما حملت به بعد حيضة إن أتت به لستة أشهر من يوم نكحها، وما كان قبل حيضة فهو من الزنا لا يلحق به. انتهى.
ومن هنا يتبين أن نكاح هذا الرجل فاسد عند المالكية لأمور منها: أنه بولاية أجنبي. ومنها: أنه يعتبر نكاح سر. ومنها: كونه قبل الاستبراء، وهذا الأخير يجعله يفسخ أبداً، وإن حصل بعد هذا العقد وطء حرم به الزواج من بنات هذه المرأة مع بقاء حرمة النظر والمصافحة، كما هو مبين في الفتوى رقم: 25005.
والله أعلم.