السؤال
كيف نُوَفِّقُ بين قول النبي صلّى الله عليه وسلّم في الثومِ: «مَن أكَلَهُ فلا يَقرَبَنَّ مَسجِدَنا»، وبين ما توصَّل إليه العلم الحديث من أنَّ للثوم فوائدَ صحيّة كثيرة، ولا تُوجَدُ دراسات تُؤكِّدُ ضرره؟
كيف نُوَفِّقُ بين قول النبي صلّى الله عليه وسلّم في الثومِ: «مَن أكَلَهُ فلا يَقرَبَنَّ مَسجِدَنا»، وبين ما توصَّل إليه العلم الحديث من أنَّ للثوم فوائدَ صحيّة كثيرة، ولا تُوجَدُ دراسات تُؤكِّدُ ضرره؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تعارض بين النهي الوارد في الأحاديث عن الثوم، وبين جواز تناوله للاستفادة من فوائد الثوم؛ لأن النهي لم يرد على إطلاقه، وإنما ورد النهي عن دخول المسجد لمن كان متلبسًا برائحة تؤذي المصلين، كما في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أكل من هذه الشجرة -يعني الثوم- فلا يقربن مسجدنا. رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم: مساجدنا، وفي رواية أخرى لمسلم: من أكل البصل والثوم والكراث، فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم.
فإذا أراد الشخص أكل الثوم للعلاج به، أو للاستفادة من قيمته وفوائده الغذائية، فيباح له ذلك، ولا يكون مخالفًا للنهي عن قربان الثوم، وليجتنب تناوله عند إرادة الصلاة في الجماعة، حتى لا يؤذي المصلين برائحته.
مع التذكير بأنه يوجد خلاف بين أهل العلم هل يباح مع الكراهة، أو من دون كراهة؟ وينبغي طبخه، وأن يؤكل بعده ما يزيل رائحته -كالتفاح، أو السلطة، أو النعناع-.
ويدل للإباحة ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أذن في أكله، كما في صحيحي البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أكل ثومًا أو بصلاً فليعتزلنا. أو قال: فليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته. وأن النبي صلى الله عليه وسلم: أتي بقدر فيه خضرات من بقول، فوجد لها ريحًا، فسأل، فأخبر بما فيها من البقول، فقال: (قربوها) إلى بعض أصحابه كان معه، فلما رآه كره أكلها، قال: (كل فإني أناجي من لا تناجي).
وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه خطب يوم جمعة فقال في خطبته: ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين، هذا البصل والثوم، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخاً. رواه مسلم.
وقد ذكر ابن عبد البر عدة آثار فيه، وذكر أنه مباح، فقال في التمهيد: قال أبو عمر: ففي هذه الأحاديث أوضح الدلائل على أن أكل الثوم ليس به بأس، وأنه مباح، وقد أكله جماعة من الصحابة والتابعين، وأجاز أكله جمهور علماء المسلمين... اهـ.
وقد روى الطحاوي في شرح معاني الآثار حديث عمر بن الخطاب السابق ثم قال: فهذا عمر، قد أخبر بما كانوا يصنعون، بمن أكلها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أباح هو أكلهما بعد أن يماتا طبخًا. فدل ذلك على أن النهي عنه لم يكن للتحريم. انتهى.
ثم روى حديث معاوية بن قرة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أكل من هاتين الشجرتين الخبيثتين، فلا يقربن مسجدنا، فإن كنتم لا بد آكليهما، فأميتوهما طبخًا.
ثم قال: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أباح أكلهما بعد ذهاب ريحهما. فدل ذلك على أن نهيه عن أكلهما إنما كان لكراهته ريحهما؛ لا أنهما حرام في أنفسهما. اهـ.
وجاء في شرح النووي على صحيح مسلم: ثم إن هذا النهي إنما هو عن حضور المسجد، لا عن أكل الثوم والبصل ونحوهما، فهذه البقول حلال بإجماع من يعتد به.
وحكى القاضي عياض عن أهل الظاهر تحريمها؛ لأنها تمنع عن حضور الجماعة، وهي عندهم فرض عين.
وحجة الجمهور: قوله صلى الله عليه وسلم في أحاديث الباب: كل فإني أناجي من لا تناجي، وقوله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس: إنه ليس لي تحريم ما أحل الله لي. اهـ.
وراجع الفتوى: 246448.
والله أعلم.
بحث عن فتوىيمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني