السؤال
تكرر كثيراً في القرآن والسنة الاستغفار وفضله، فهل يستطيع المسلم أن يستغفر الله من ذنب دون أن يتوب منه أي يستغفر من ذنب وهو لا ينوي الإقلاع عنه ولا هو نادم عليه؟
تكرر كثيراً في القرآن والسنة الاستغفار وفضله، فهل يستطيع المسلم أن يستغفر الله من ذنب دون أن يتوب منه أي يستغفر من ذنب وهو لا ينوي الإقلاع عنه ولا هو نادم عليه؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الاستغفار عبادة عظيمة، وإن من يلهج لسانه بالاستغفار يحصل خيراً كثيرا في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى على لسان نوح عليه السلام: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا {نوح:10-11-12}، وقال صلى الله عليه وسلم: طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً. رواه ابن ماجه وصححه الألباني، وانظر للفائدة الفتوى رقم: 6603، والفتوى رقم: 22293.
ولكن لا ينال ثمرة الاستغفار إلا من استوفى شروطه، وهي الإقلاع عن الذنب، وعقد العزم على عدم العودة إليه، والندم على ما فرط في جنب الله تعالى، أما الذي يستغفر الله بلسانه وهو مقيم على معصية الله غير نادم على ما فات منه -فإنه كالمستهزئ بربه- بل إن استغفاره هذا يلزم منه الاستغفار!!
هذا وليُعلم أن التوبة إلى الله واجبة فورا باتفاق الفقهاء، قبل أن يفاجئ المرء الموت فيحال بينه وبين ما يشتهي، فيالها من حسرة، ولات حين مندم، وإن تأخير التوبة معصية مضافة إلى المعاصي الأولى، قال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام: والتوبة واجبة على الفور، فمن أخرها زماناً صار عاصياً بتأخيرها، وكذلك يتكرر عصيانه بتكرار الأزمنة المتسعة لها، فيحتاج إلى توبة من تأخيرها، وهذا جار في تأخير كل ما يجب تقديمه من الطاعات. انتهى.
ولتتدبر قوله تعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ* وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ* أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ* أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ* أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ {الزمر:54: 58}.
فكيف يصر المرء على المعصية وهو يعلم يقيناً أن الله يسمعه ويراه؟ والله إن من يجل الله حق إجلاله لا يطاوعه قلبه لذلك البتة، ثم إن هذا المصر على المعصية ألا يستحي من الله؟ فكيف يكون خير الله نازلاً، والمصر على المعصية قبائحه صاعدة إليه، فملك ينزل بهذا وملك يعرج بهذا، فأقبح بها من مقابلة!! ثم ألا يخشى المصر على المعصية من غضب الله وانتقامه؟ فإن الله تعالى إذا غضب لم يقم لغضبه شيء، قال الله تعالى: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ {البروج:12}، وكيف لعاقل أن يبيع إيمانه بشهوة تذهب لذاتها وتبقى تبعاتها؟ وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن...
وإن من يقع في الحرام يفوت على نفسه ما يعوض الله به من ترك المحارم لأجله ونهى نفسه عن هواها، قال الله تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى {النازعات:40-41}، وإن كان الله مع جميع خلقه بعلمه وسمعه وبصره، فإن له معية خاصة لمن تمسك بدينه، قال الله تعالى: إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ {النحل:128}، فكيف يفرط المذنب المصر على المعصية بمعصية الله الخاصة له؟! فالحذر الحذر من الإصرار على المعاصي، والبدار البدار بالتوبة الصادقة والرجوع إلى الله تعالى.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني