الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سرور الإنسان بمعرفة طاعاته

السؤال

سمعت مقولة عن الصيام قيل لي: إنها من أقوال السلف وهي (لا تسأل أخاك عن صيامه فإن كان صائما فرح وإن كان غير ذلك حزن، وكلاهما رياء)، وأريد أن أعرف هل هذه المقولة صحيحة ومن قائلها، وأتمنى الرد سريعاً؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلم نقف فيما اطعلنا عليه من المراجع على نسبة القول المذكور لأحد من السلف، وقد تحدث أهل العلم عن الفرح بالطاعة والسرور بها، وقالوا: إن ذلك لا ينافي الإخلاص إذا كان العبد مخلصاً، ولم يتكلف في إظهارها والحديث عنها.

فقد نقل ابن مفلح في الآداب عن ابن عقيل قال: الإعجاب ليس بالفرح، والفرح لا يقدح في الطاعات لأنها مسرة النفس بطاعة الرب عز وجل، ومثل ذلك مما أسر العقلاء، وأبهج الفضلاء، وكذلك روي في الحديث أن رجلاً قال: يا رسول الله، إني كنت أصلي فدخل علي صديق لي فسرني ذلك، فقال: لك أجران: أجر السر وأجر العلانية.

وقال الغزالي في الإحياء: السرور بالطاعة منقسم إلى محمود وإلى مذموم، فالمحمود أربعة أقسام: الأول: أن يكون قصده إخفاء الطاعة والإخلاص لله، ولكن الله لما أطلع عليه الخلق علم أن الله أظهر طاعته وستر معصيته ففرح بستر القبيح وإظهار الجميل، فيكون فرحه بفضل الله لا بحمد الناس، قال الله تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ {يونس: 58}. فكأنه ظهر له أنه مقبول عند الله تعالى ففرح بذلك.

الثاني: أن يستدل بإظهار الجميل وستر القبيح عليه في الدنيا أنه يكون كذلك في الآخرة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما ستر الله على عبد ذنباً في الدنيا إلا ستره عليه في الآخرة. رواه مسلم.

والثالث: أن يظن رغبة المطلعين على الاقتداء به، فيكون له أجر السر والعلانية وأجر اقتداء المقتدين من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً.

الرابع: أن يحمده المطلعون على طاعته، فيحبونه فيفرح بطاعتهم لله بحب أهل الطاعة والإيمان، لأن بعض الناس يرى أهل الطاعة والإيمان فيمقتهم ويحسدهم ويهزأ بهم وينسبهم إلى الرياء... فهذا فرح بحسن إيمان العباد، وعلامة الإخلاص في هذا النوع أن يكون فرحه بحمده غيره مثل فرحه بحمدهم إياه.

وأما المذموم وهو الخامس: فهو أن يكون فرحه لقيام منزلة له في قلوب الناس حتى يمدحوه ويعظموه ويقوموا بقضاء حوائجه ويقابلوه بالإكرام، فهذا مكروه. والله أعلم.

ومثل هذا المعنى جاء في الآداب الشرعية لابن مفلح نقلاً عن ابن الجوزي وغيره تحت عنوان فصل في سرور الإنسان بمعرفة طاعته والعجب والرياء والغرور بها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني