السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم وكل عام وأنتم بخير، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال بهذه المناسبة السعيدة وهي عيد الأضحى المبارك أعاده الله على الأمة الإسلامية بالخير واليمن والبركات، وأن تصبح في حال أحسن من حالها هذا في عامها هذا خاصة في العراق وفلسطين ، وجزاكم الله خيراً على ما تقدمون من فتاوى للحائرين تصبح لهم منارات يستدلون بها الطريق القويم في هذا الزمن الذي انقلبت فيه المعايير وأصبح الحق باطلا والباطل حقا وألزمنا الله وإياكم طريق الحق المبين، وبعد:فان سوالي يتعلق بتحديد يوم عرفة أو تحديدا أول أيام شهر ذي الحجة، هل يجوز فيه الاختلاف؟ وهل كل بلد يمكنه أن يتحرى هلال ذي الحجة كما هو الحال بالنسبة لهلال شوال!؟ لأن هذا يقود إلى سؤال آخر وهو: هل أول أيام العيد مرتبط بالزمان أو بمناسك الحج التي يؤديها الحاج بالأراضي المقدسة في المملكة العربية السعودية؟ الشاهد في الأمر هو أنني الآن مقيم في إحدى الدول الأوربية بغرض الدراسة، وهذا البلد توجد به بعض القوميات المسلمة التي لها القليل من المساجد بعاصمة هذا البلد، وحدث أنه أعلن في صلاة الجمعة الفائتة في أحد هذه المساجد أن أول أيام عيد الأضحي المبارك لهذا العام 1425هـ هو يوم الخميس الموافق 20 يناير2005! في حين أنه وحتى هذا الوقت لم يكن مجلس القضاء في السعودية قد قام بإصدار بيانه الذي أعلن فيه أن العيد سيكون يوم الخميس بدلاً عن الجمعة.
أرجو من فضليتكم تبيين ما هو واجب عمله في مثل هذه الحالات فمثلا إذا استمر الحال علي ماهو عليه لكان عندنا العيد يوم الخميس وفي السعودية يوم الجمعة أي سيكون عندنا يوم لعرفة قبل وقوف الحجاج بعرفة!! وإذا صمنا نحن يوم عرفة على السعودية نكون هنا صائمين في يوم العيد بهذا البلد والصيام في أيام التشريق لا يجوز! علما بأن الفرق الزمني في الوقت ليس كبيراً أي (لا يتعدي الساعتين)وإن الدولتين تشتركان بمعظم وقت الليل..
أفيدونا وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي عليه المحققون من أهل العلم أن الاختلاف في المطالع معتبر، ويكون ذلك في كل الشهور، ومن المعلوم أن بين المطالع تفاوتاً ملحوظاً، ومما يشهد لهذا الاعتبار ما رواه مسلم في صحيحه من حديث كريب مولى ابن عباس أن أم الفضل بنت الحارث بعثته في حاجة إلى معاوية بالشام، قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل علي رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه يوم الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: فلا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ووجه الشاهد من الحديث يتضح في النقاط التالية:
1- أن المسلمين في ذلك الوقت دولة واحدة ومعاوية خليفتهم، وابن عباس ممن يقرون ذلك، فلو لم يكن اختلاف المطالع معتبرا لما وسعهم خلافه.
2- أن كريباً أخبر ابن عباس بأنه رأى الشهر ورآه الناس معه فصام وصاموا ولم يأخذ ابن عباس برؤيته، وكريب تابعي جليل من أفضل من روى عن ابن عباس وغيره من الصحابة، وقد خرجت له أحاديث كثيرة في البخاري ومسلم وغيرهما.
3- أن ابن عباس قال هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسب الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عليم بمدلول اللفظ وبخطورة نسبة شيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل به نصاً أو مضموناً.
4- اختلاف زمن غروب الشمس بين أهل الشام وأهل المدينة طويلاً، كما هو معروف.
وعليه، فلا لوم على المسلمين في أن يختلفوا في بداية الصوم ونهايته، وفي تحديد يوم عرفة ويوم العيد ما دامت مطالعهم مختلفة، لأن العبرة في دخول الشهر بالرؤية أو بإتمام الشهر ثلاثين يوماً، ويكون يوم عرفة ويوم العيد بالنسبة لمن بمكة غير يوم عرفة ويوم العيد بالنسبة لغيرهم ممن يختلف مطلعهم عنهم كالشام أو غيرها، وإذا تأخرت رؤيتهم للهلال عن رؤية أهل مكة مثلاً فلا يقال إنهم صاموا يوم عرفة في يوم العيد وصومه ممنوع، لأنه لم يكن قد دخل يوم العيد عندهم حتى يقال عنهم إنهم صاموا يوم العيد، وأما أهل البلد الواحد المتحد المطلع فيلزمهم أن يتحدوا في الصوم والعيد إذا رأوا الهلال أو أتموا الشهر فيصوموا أو يضحوا في يوم واحد باعتبار ثبوت الهلال لديهم، أو إكمال عدة الشهر، ولا يصح أن يوافقوا أهل البلد الآخر، ولا يصح أن يختلفوا ويتفرقوا في هذه الحالة، لما ثبت في سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الصوم يوم تصومون، والإفطار يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون.
وأما إذا لم يتم الشهر عندهم، ولم يروا الهلال، وأعلن غيرهم عن دخول الشهر أو خروجه ممن يخالفونهم في المطلع، وأخذ بعض الناس برؤيتهم أخذاً بمذهب أكثر الفقهاء القائل بعدم اعتبار اختلاف المطالع، فقدم صومه أو فطره معهم قبل أهل بلده فلا ينكر عليه، لأنه آخذ بقول معتبر لأهل العلم.
والحاصل أن الأمر فيه سعة ولله الحمد.
والله أعلم.