الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

غزوة أحد.. انتصار أم هزيمة

السؤال

هل صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم هزم يوم أحد كما يقول المفسرون, فإن كان قد هزم فكيف نفسر قوله تعالى : "إلا تنصروه فقد نصره الله"، وقد نزلت بعد آخر غزواته صلى الله عليه وسلم، وكذلك قوله تعالى : "كذلك حقا علينا نصر المؤمنين"، ثم قوله تعالى : "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي"؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يهزم في أحد ولا في غيرها، ومن قال بهزيمة النبي صلى الله عليه وسلم فقد كذب وخالف النقول الصحيحة الصريحة ووقائع التاريخ المتواترة والمستفيضة، وقد نص أهل العلم على كفر من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم هزم، وقالوا: إنه يقتل، وهل يستتاب قبل القتل، فإن تاب قبلت توبته وإلا قتل، أو لا يستتاب أصلا بل يقتل بدون استتابة؟ قال العلامة خليل المالكي في المختصر: واستتيب في هزم أو أعلن بتكذيبه.

أما في أحد فإن المسلمين تكبدوا فيها خسائر فادحة، وولى بعضهم وانكشفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبق معه إلا مجموعة من الصحابة ثم عادوا إليه وظلوا يدافعون عنه حتى تراجع العدو، فلم ينهزموا ولم يفروا.

وعن هذه الغزوة يقول الله تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {آل عمران:165}، ويقول الله تعالى في أولئك الذين تولوا وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجماعته: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ {آل عمران:155}، وفرق بين القول بهزيمة النبي صلى الله عليه وسلم وبين تولي بعض الجيش أو أكثره وانكشافه عنه صلى الله عليه وسلم، ومواجهته ومن معه للعدو مباشرة.

وما وقع يوم أحد كان نتيجة لأخطاء معروفة، وسنن الله تعالى لا تحابي أحدا ولو كان الأنبياء والصحابة، ولذلك حكم عظيمة... وأما قول الله تعالى: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ... {التوبة:40}، فقد نزلت في أولئك المتثاقلين عن غزوة تبوك، كما أشار السائل، ومعناها كما قال أهل التفسير: إن لم تنصروه وتجاهدوا معه فإن الله تعالى متكفل بنصره كما نصره في مواقع وظروف أشد من هذه وأصعب.

وأما قوله سبحانه وتعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ {الروم:47}، فمعناها كما قال المفسرون: كتب الله تعالى لعباده المؤمنين النصر تفضلا منه وتكرما، كما قال تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي.

وهذا ما حدث بالفعل وشاهده الناس في الواقع، فقد انتصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رغم الخسائر التي أصابتهم في أحد وفي غيرها، وهكذا فإن المسلمين كلما تمسكوا بدينهم وجاهدوا في سبيله نصرهم الله تعالى، وكلما ابتعدوا عنه أصابتهم الهزائم والخسائر وتحكم فيه الأعداء، والمتأمل في التاريخ من قديم الزمان إلى يومنا هذا يجد هذه الحقيقة ماثلة بين عينيه.

وبهذا تعلم أنه لا تعارض بين ما حدث للمسلمين في أحد وبين الآيات التي ذكرت، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3967، 9225، 31174، 59140.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني