الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تحريم العمل في أماكن الفتنة والمؤسسات ذات الأنشطة المحرمة

السؤال

ندعو لكم بالتوفيق لهذا الجهد الكبير
لقد قرأت العديد من الفتاوى المتعلقة بالصبر على مصدر الرزق إن لم يكن شرعيا إلى أن يأتي المصدر الشرعي، مثال على ذلك، العمل في البنوك الربوية، أو العمل في التصوير، أو التعامل مع الموسيقى ... الخ
ولكنني أتساءل، وقد ابتليت قبل سؤالي هذا بنفس البلاء، حيث كنت أعمل في شركات إقراض ربوي، ولكنني صبرت لمدة 5 سنوات دون حصولي على بديل، فقررت الاستقالة لإيماني أن الله سبحانه وتعالى سيعوضني خيرا، وعلى الرغم من أنني بقيت دون عمل لمدة 9 أشهر، إلا أن الله سبحانه وتعالى قد عوضني خيرا، فأصبحت الآن أصلي وفي المسجد إذا لم أكن في العمل، وأصبحت أتذوق حلاوة القرآن، ويرق قلبي لدرجة البكاء خوفا من الله سبحانه وتعالى.
وقد تيسر لي قبل شهرين عمل، ولكن للأسف فيه الكثير من المخالفات الشرعية، مثل الاضطرار للتعامل مع موظفات مسيحيات وكاشفات عن الكثير من أجسادهن، عدا عن الاتصال الشفوي غير المنضبط (مثل السباب والمزاح غير الأخلاقي)، كما وأنني أضطر لتأجيل الصلوات عن موعدها لحين الانتهاء من اجتماع أو علاج مشكلة ما، كما وأنني أعمل في شركة كمبيوتر تقوم بتجهيز أجهزة حاسوب يتم تزويدها بنسخ برمجيات غير أصلية، مما أعتبره سرقة والتعاون على الإثم والعدوان على حقوق الغير، والكثير.
وما يحصل لي أنني أستمع إلى القرآن وقصص الأنبياء، ولم أجد حتى الآن أي قصة، أو رواية سواء عن الأنبياء والرسل أو الصحابة تدل على وجوب الصبر على الخطأ إلى حين توفر الصحيح، بل بالعكس، الجميع كان يقرر جهاد الخطأ ولا يرضى سوى أن يتبع تعليمات أوامر الله وتوجيهات الرسول عليه الصلاة والسلام.
لقد أخذت قرارا بالاستقالة والهجرة إلى الله، فهل أتريث إلى حين الفرج، وكيف أعرف أن ذلك ليس ابتلاء واختبارا من الله يمتحنني فيه ويمحصني، فقد يكون الفرج الذي أنا به حاليا مكر من الله.
أفيدوني جزاكم الله خيرا

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما ذكرته عن هذا العمل من المخالفات الشرعية، التي منها التعامل مع موظفات مسيحيات وكاشفات الكثير من أجسادهن، والاتصال الشفوي غير المنضبط، مثل السباب والمزاح غير الأخلاقي، وتأجيل الصلوات عن موعدها لحين الانتهاء من اجتماع أو علاج مشكلة ما، وأن الشركة التي تعمل فيها تقوم بتجهيز أجهزة حاسوب يتم تزويدها بنسخ برمجيات غير أصلية، مما هو سرقة، وتعاون على الإثم والعدوان على حقوق الغير... كلها أمور توجب عليك التنحي عن هذا العمل والبعد عنه دون انتظار.

وما قرأته من الفتاوى المتعلقة بالصبر على مصدر الرزق إن لم يكن شرعيا كالعمل في البنوك الربوية، أو العمل في التصوير، أو التعامل مع الموسيقى ... إلخ إلى أن يتوفر المصدر الشرعي، هو في الحقيقة غير صحيح، أو لعلك لم تقرأ الشرط الذي يباح معه البقاء في مثل تلك الأعمال.

والذي يقرره أهل العلم وهو المفتى به عندنا، هو تحريم العمل في الأماكن المثيرة للفتنة، وتحريم العمل في المؤسسات ذات الأنشطة المحرمة، لأن العمل فيها هو تعاون على الإثم والمعصية، والله تعالى يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ . [المائدة :2].

وقد أباح أهل العلم العمل في مثل الحالات المذكورة إذا اضطر المرء إليها للاحتياج إلى نفقته أو الإنفاق على من تجب نفقته عليه، ولم يجد غيرها. وذلك من باب أن الضرورات تبيح المحظورات، لا أن هذا مباح في الأصل.

وعليه، فما أخذته من قرارا بالاستقالة والهجرة إلى الله، هو واجبك في مثل الحالة التي ذكرت، ولا تتريث إلى أي حين، وعليك بتقوى الله والتوكل عليه، فقد قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [ الطلاق: 2-3].

واعلم أن المرء في امتحان دائم من الله تعالى، فهو يختبر بالنعمة لتقاس درجة شكره لها أو كفرانه لها، ويختبر بالمصائب والحرمان، ليقاس درجة صبره عليها أو جزعه منها. قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء: 35].

وقياس ما إذا كان الذي أنت فيه مكر من الله أم لا، إنما يكون بقياس ما أنت عليه من اتباع أوامر الله والانقياد لها، أو البعد عنها والوقوع فيما نهى الله عنه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني