الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تناول الطعام في بيت الميت تابع لمن قدمه من الورثة

السؤال

توفي عمي قبل عام تقريباً وله في وفاته قصة فقد كان لا يصلي ولا يصوم في شبابه بل كان أحياناً يجاهر بالمعصية والعياذ بالله، ولما تقدم بالسن أصبح يتوارى من المعاصي ولكنه ظل لا يصلي حتى أصيب بالسرطان ومكث في المستشفى 9 أيام قبل أن يموت قضى الأيام الثلاثة الأولى منها في تذكر أمور بيته والحياة الدنيا ثم في الأيام الثلاثة التالية بدأ بذكر الله مع تذكر أمور الدنيا بين الحين والآخر أما أيامه الثلاثة الأخيرة فقد قضاها بذكر الله ثم توفي وصلى عليه المئات في مسجد يؤمه مئات المصلين إلا أن طلبة العلم من الشباب وهم زملاء ابنه رفضوا قراءة القرآن له واكتفوا بأن جاؤوا وتناولوا الطعام في بيت عمي ثم خرجوا دون أن يدعوا له بالرحمة وهو ما أثر استياءنا جميعاً فهل يجوز لنا الترحم على هذا الميت أم أنه مات كافراً وهل ما فعله طلبة العلم صحيح؟ أي هل يجوز تناول طعام الميت إذا كان كافراً ؟
أفيدونا جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد اختلف أهل العلم في شأن تارك الصلاة دون جحود لوجوبها، وإنما تركها كسلا أواعتباطاً، فمنهم من حكم بكفره ومنهم من لم يحكم بكفره كما بينا ذلك مفصلاً في الفتويين: 1145، 11326 .

وعلى ذلك، فمن مات ولم يكن يصلي فيجري في حكم الترحم عليه نفس الخلاف، فمن قال بكفره قال لا يصلى عليه ولا يترحم عليه، ومن لم يقل بكفره قال يجوز الترحم والصلاة عليه، كما قال خليل في متخصره الفقهي: وصلى عليه غير فاضل.

وما صدر من ذلك الرجل في آخر حياته من ذكر وتوبة قد يقبل فتغفر ذنوبه ويختم له بذلك، وقد لا يقبل لأن من شروط التوبة أن يكون قبل غرغرة الروح وحضور الأجل، قال تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ {النساء: 17-18}.

والحكم على قبول توبته أو عدم ذلك غير ممكن، ولكن من ترك الصلاة عليه والترحم زجراً لأصحاب المعاصي عن ذلك لا ينكر عليه سيما من كان يعتقد كفر تارك الصلاة كما بينا.

وأما التعزية فجائزة بل إن الشارع قد ندب إليها حتى ولو كان الميت كافراً أو المعزي كافراً؛ كما بينا في الفتوى رقم: 10141، والفتوى رقم: 12253.

ولكن الجلوس للأكل عند أهل الميت يخالف السنة لأمره صلى الله عليه وسلم بصنع الطعام لأهل الميت فقال: اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد آتاهم ما يشغلهم. رواه الخمسة إلا النسائي.

وقد روى أحمد عن جرير قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام بعد دفنه بدعة. قال الشيرازي في المهذب: ويكره الجلوس للتعزية لأن ذلك محدث، والمحدث بدعة.

أما ما فعله الطلبة المذكورون من رفضهم للقراءة على الميت فهم مصيبون فيه لأن الاجتماع لقراءة القرآن على الميت من البدع المحدثة وتراجع الفتوى رقم: 2504، والفتوى رقم: 30622.

ولكن لا يجوز لهم الأكل مما أعد لمن يقرأ على الميت إذا كانت نفوس أهل الطعام لا تطيب به لهم، وليس لكون الميت كافراً لأن الطعام هنا تابع لمن قدمه من الورثة أو من غيرهم ، على أنه لو افترض أنه لكافر وطابت به نفسه فلا حرج في تناوله إن كان مما يباح لنا.

وكان الأولى بهؤلاء الطلبة أن يبينوا الحق ويرشدوا إليه بحكمة وموعظة حسنة، فإذا استجيب لهم فذلك المطلوب وإلا انصرفوا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني