الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شبهات حول رجم الزاني المحصن وقتل المرتد

السؤال

فضيلة الشيخ أود أن أسألكم حول حكمي الردة ورجم الزاني. حيث أنني وصلت إلى قناعة أن هذين الحكمين ليسا من صحيح الإسلام ولكني أريد التثيت من ذلك, وسأبدأ بعرض حجتي في حكم الردة
1- حد الردة لم يرد في القرآن على الرغم من ذكر المرتدين وتوعدهم بأشد العقوبات في الآخرة, فإن القرآن لم ينص على عقوبة دنيوية
ومن ذلك مانزل في جماعة من العرب حيث قال فيهم تعالى: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُوَاْ إِلاّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لّهُمْ وَإِن يَتَوَلّوْا يُعَذّبْهُمُ اللّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأرْضِ مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ ورغم ذلك لم ينص القرآن على عقوبة دنيوية فيهم, لم تذكر كتب السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم طبق فيهم حد الردة
وهناك أيضا قول الله تعالى فيمن تكاسل عن الخروج مع الرسول في غزوة تبوك : ﴿فَإِن رّجَعَكَ اللّهُ إِلَىَ طَآئِفَةٍ مّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوّلَ مَرّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ ولا تصل علىأحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره، انهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون﴾ ورغم ذلك لم يقتلهم الرسول أيضا, بل إن الآية صريحة في عدم قتلهم حينما تتكلم عن "موتهم" بشكب يوحي أنه طبيعي
2- هناك العديد من الحوادث التي كفر فيها بعض المسلمين ورغم ذلك لم يقتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم:
فمنها حين رجع ثلث الجيش الى المدينة يوم غزوة أحد, وهذا من موبقات الإيمان السبع "التولي يوم الزحف" ورغم ذلك لم يأمر الرسول بقتلهمومنها الذين نزل فيهم قوله تعالى (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) , فهذه الآية صرحت بكفر هؤلاء ولكن الرسول لم يقتلهم أيضاوهناك أيضا صلح الحديبية الذي كان من شروطه أن الرسول لا يمنع من أراد الالتحاق بقريش وحلفائها من مغادرة المدينة, وحاشا لله أن يفرط الرسةل في حد من حدود الله ويقبل بمغادرة هؤلاء المرتدين بدل تطبيق حد الردة المزعوم عليهم
3- أما حروب الردة, فإن أبا بكر قد اختلف مع عمر ونفر من الصحابة الذين كانوا يرون مصالحة القبائل المرتدة الى أن تتحسن أحوال المسلمين فرفض ذلك , ولكن كتب التاريخ لم تذكر أنه استشهد بحديث "من بدل دينه فاقتلوه" أو أي حديث آخر ينص على قتل المرتد
6- ولكن:دعنا نفترض أن حديثى الردة حديثان صحيحان، ودعنا نفترض أن القرآن الكريم لا يعارضهما ولا يؤيدهما فهل يصح الإعتماد على حديثين فى تأسيس تشريع؟وهل يصح إقامة تشريع سنده الوحيد حديثان من أحاديث الآحاد؟وهل يصح أن تقتل الناس بتهمة الردة إعتماداً على حديثين فقط؟وهل تهون حياة الناس إلى هذا الحد؟
أرجو منكم ردا تفصيلياعلى أسئلتي يا شيخنا الكريم لعل الله أن يقنعني بحد الردة إن كان حقا
أما بالنسبة لحد الرجم فإن توقفي عنده يتمحور حول آية في كتاب الله تقول: (ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات آخذان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم)
هذه الآية تقول أن من أتت بفاحشة من هؤلاء فعليها نصف ما على المسلمة الحرة المحصنة من العذاب, فلو كان حكم الزانية المحصنة هو الرجم فكيف يطبق في حالة "ما ملكت أيمانكم", هل يرجمن نصف رجم؟
أتمنى أن تجاوب سؤالي يا فضيلة الشيخ حيث أنه قد حيرني طويلا وأطمع أن أجد الجواب المقنع لديك وجزاك الله خيرا

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله تعالى أن يفقهنا وإياك في دينه ويشرح صدورنا لفهم شريعته ، ولتعلم أن كلاً من حكم قتل المرتد وقتل الزاني المحصن ثابت في نصوص الوحي مجمع عليه من قبل أهل العلم . ولكن الحكم بهما لا يثبت إلا من قبل القضاء الشرعي ولا يطبقه إلى ولي الأمر بعد إستتابة المرتد ثلاثة أيام بلا جوع ولا عطش ومعاقبة فإن تاب وإلا قتل .

ومن الأدلة على رجم الزاني المحصن وقتل المرتد ما في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة . وفي مسند الإمام أحمد وسنن النسائي وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل دم امرئ مسلم إلا رجل زنى بعد إحصانه ، أو كفر بعد إسلامه ، أو النفس بالنفس . وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ما عز بن مالك الأسلمي والغامدية .

وأما ما ذكرت من الآيات فهو إستدلال في غير محله ، فالآية الأولى : لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ... {التوبة: 66 } في المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون النفاق والكفر وكذلك الحوادث التي أشرت إليها .

وأما الآية الثانية : وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا ...... {النساء: 25 } الآية. فهي مبينة لحد الأرقاء عموماً وأنه نصف حد الأحرار الذي جاء في سورة النور على العموم في قوله تعالى : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ {النور: 2 } ولذلك فالرقيق إذا زنى ولو بعد الإحصان لا يرجم لهذه الآية وللأحاديث الواردة في ذلك لأن الله تعالى نص على أن حده نصف حد الأحرار والذي يمكن تجزئته وتنصيفه هو الجلد وأما الرجم الذي هو القتل فلا يمكن تنصيفه . وبذلك تعلم أنه لا دليل في الآية الكريمة على ما ذكرت ، وأما قولك فهل يصح الإعتماد على حديثين ... ) فإن الحديث إذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب على المسلم العمل به سواء كان ذلك في مجال العقائد أو الأحكام .فقد قال تعالى : وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا {الحشر: 7 } وقال تعالى : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور: 63 } مع أننا لا نسلم بأن رجم الزاني وقتل المرتد قد ورد فيهما حديثان فقط بل تواترت نصوص الوحي الدالة على الحكم بهما فيمن ثبت عليه ذلك وطبق النبي صلى الله عليه وسلم هذه النصوص في زمنه وكذلك خلفاؤه الراشدون رضوان الله عليهم . وللمزيد من الأدلة النقلية والعقلية على وجوب العمل بآحاديث الآحاد نرجوا الإطلاع على الفتاوى التالية : 38186 ،13987 ،35561 . وما أحيل عليه فيها .

والله أعلم .


مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني