الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التوفيق إلى التوبة وكيفية الاستقامة عليها

السؤال

نريد أن نكون صرحاء و نتكلم بدون أقنعة ومباشرين, في البداية أبلغ من العمر 32 سنة وقد كنت شابا مسلما ولكن إسلام تلقين و ليس إسلام يقين كما أي مسلم منتسب للإسلام في وقتنا بالاسم فقط و لكن منذ 09 سنوات تغيرت تغييرا جذريا فاقترفت جميع أنواع الذنوب الكبائر منها واللمم حتى الزنا لم أعد أرضى أن أزني بواحدة بل أصبحت أجمع بين اثنتين ومارست حتى الزنا الجماعي حيث تجتمع مجموعة من الشباب و الشابات السكارى و لا نميز أي امرأة من الأخرى بل يكن كالبهائم بالنسبة لنا فنفعل بهن ما نشاء ونشتهي على الرغم من أنني متزوج و لي طفلان أما الخمر فحدث و لا حرج فقد ملكت كياني حتى إنني لا أصبر عنها أبدا فأنا أشربها من طلوع الشمس حتى الليل أحيانا بل أكثر الأحيان والرشوة والغيبة والنميمة والمخدرات....الخ أما عن الطاعات فلا آتي منها أبدا ولو بالنزر اليسير فلا صلاة ولا ذكر ولا صدقة ولا حتى صيام رمضان فلا أصومه...وأختصر لكم شخصيتي الآن بجملة واحدة لا غير وهي أنني أصبحت شيطانا في جسم آدمي أفرح بالمعصية وأستاء من الطاعة وعندما أسمع القرآن تضيق نفسي وأفر منه ولا أستطيع تقبله
وأظن أنه تكفي هذه اللمحة الخفيفة على ما أنا عليه حاليا واعذروني على عدم استحيائي من ذكر هذه الأمور فالحياء معدوم ولو كان موجودا أصلا لما جاهرت الله بالمعصية ولكن في الأيام الأخيرة بدأت أخشع من سماع القرآن أو الأذان وأصبحت أغار أحيانا من الذين أراهم يذهبون للمسجد أو أغار أحيانا إذا مر بي شاب مسلم ملتزم أو شابة ملتزمة وليست غيرة حسد بل غيرة من يتمنى لو كان مثلهم و السؤال هو ليس هل تقبل توبتي أو لا تقبل فالأمر معروف //تقبل توبة العبد ما لم يغرغر//و لكن السؤال هو كيف أقلع عن كل هذا وقد علمتم ما علمتم عني كيف أريد منكم إجابة واضحة ومفصلة أريد منكم أن تعطوني برنامجا يوميا من الصباح إلى الليل يغير كياني فانقلب من شيطان آدمي إلى ملك آدمي وإنني جاد في هذا أريد أن أكفر عن كل ما فعلت وأن أصبح سباقا للخير وليس علما من أعلام الشر والفسق والفساد فهل هذا ممكن؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل المولى جل وعلا أن لا يزيغ قلبك بعد إذ هداك وأن يهيئ لك من أمرك رشدا إنه سميع مجيب.

وينبغي أن تعلم أيها الأخ الكريم أن الله تعالى أراد بك خيرا وتفضل عليك حين شعرت بالندم على ما اقترفته من المعاصي والآثام، فبادر إلى التوبة النصوح قبل أن يبغتك الموت عسى الله أن ينقذك من الهلكة التى كنت على شفا جرفها وهي نعمة ومنة تستوجب الحمد وتقتضي الشكرفقد قال تعالى: ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {التوبة: 118} قال الطبري: هو الوهاب لعباده الإنابة إلى طاعته الموفق من أحب توفيقه منهم لما يرضيه عنه {الرحيم} بهم أن يعاقبهم بعد التوبة أو يخذل من أراد منهم التوبة والإنابة ولا يتوب عليه. ولمعرفة شروط التوبة النصوح انظر الفتوى رقم: 5450.

وأما كيفية الإقلاع عما كنت تقيم عليه وكيف تتبدل حياتك تماما من معصية إلى طاعة وإنابة ومن لهو إلى جد واستقامة فعليك بعد التوبة النصوح أن تسلك الخطوات التالية:

أولا :اتخاذ رفقة صالحة مستقيمة ترشدك إلى الالتزام وتنأى بك عن حضيض المعاصى والآثام. وتبتعد عن أصدقاء السوء فالصاحب ساحب والقرين بالمقارن يقتدي. وقد قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف: 28}

ثانيا: إذا استطعت أن تترك القرية أو البلد الذي أنت به إلى مكان تستطيع أن تعبد الله فيه ويغلب على أهله الصلاح فذلك مما يعين بإذن الله تعالى لما فيه من ترويض النفس على الطاعة ولفتها لذلك بالمشاهدة والمماسة وفي قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا ما يدل علي ذلك ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال: كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا. فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسا. فهل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله. فكمل به مائة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم. فقال: إنه قتل مائة نفس. فهل له من توبة؟ فقال: نعم. ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا. فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم. ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت. فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط. فأتاه ملك في صورة آدمي. فجعلوه بينهم. فقال: قيسوا ما بين الأرضين. فإلى أيتهما كان أدنى، فهو له. فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد. فقبضته ملائكة الرحمة.

ووجه الشاهد من الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن فيها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. قال الإمام النووي رحمه الله: قال العلماء: في هذا استحباب مفارقة التائب المواضع التي أصاب بها الذنوب، والإخوان المساعدين له على ذلك، ومقاطعتهم ما داموا على حالهم، وأن يستبدل بهم صحبة أهل الخير والصلاح والعلماء والمتعبدين الورعين، ومن يقتدي بهم وينتفع بصحبتهم، وتتأكد بذلك توبته. اهـ.

ثالثا: الإكثار من ذكر الله تعالى وقراء القرآن والصلاة فقد قال تعالى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ {الزخرف:36} وقال: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد: 28} وقال: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ {العنكبوت: 45}

رابعا: أن تبتعد عن التسويف والتمنى ففي الحديث: الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله. قال الترمذي: هذا حديث حسن ومعنى قوله من دان نفسه يقول حاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب يوم القيامة، ويروى عن عمر بن الخطاب قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وتزينوا للعرض الأكبر وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا. ويروى عن ميمون بن مهران قال: لا يكون العبد تقيا حتى يحاسب نفسه كما يحاسب شريكه.

وأما ما تركته من صلاة وصيام فانظر فيه الفتوى رقم: 12700.

وللاستزادة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 8371، 20894

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني