الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رد الجميل للزوجة وشروط صحة الهبة لها

السؤال

أدعو الله العلي القدير أن يجزي كافة العاملين والمشاركين في بناء هذا الصرح الإسلامي الرائد، واستمرار هذا الموقع من علماء وفنيين واختصاصيين... أن يجزيهم عن الإسلام والمسلمين أعظم الجزاء، وأن ينزلهم منازل الصديقين يوم لا ينفع مال ولا بنون، كما أرجو من المشرف على هذا القسم عدم نشر كنيتي أو العنوان المبين بعاليه، والمسألة التي أود عرضها للفتوى هي زوجتي وأنا فقد مضى على زواجنا ما يقارب عن 38 عاماً منها 9 أعوام في بلدي الأصلي و 27 في بلاد المهجر، والحقيقة أقول أنها ضحت معي بكل ما تملك من جهد أو مال من غال ورخيص في سبيل بناء الأسرة المكونة منا وسبعة أولاد (ستة أبناء، وابنه واحدة) ومعظمهم ولدوا في الغربة وأربعة أو خمسة منهم يستطيعون في وقت قريب أن يعتمدوا على أنفسهم إلى حد كبير، لقد عملت زوجتي منذ زواجنا مدة لا تقل عن 16 عاماً وأنفقت كل دخلها رغم محدوديته على البيت نظراً للحاجة ولكن دخلها بطبيعة الحال يمثل ربع دخلي نسبياً أو أكثر في معظم السنوات الأخيرة، وبما أنني مغترب لا أستطيع العودة لبلدي مكرهاً للنجاة من الظلم وانتهاك الحرمات وحيث إنني بصدد تجديد وصيتي ولي بيتان (واحد في ديار المهجر، والآخر في بلدي الأصلي) علماً بأن الزوجة لم تكن شريكة بدءاً ولم تنفق من أجل ملكية هذين البيتين فالذي يبدو لي أعتبره تقديراً أو عقلا أو حكما واجباً شرعياً هو أن تعتبر زوجتي شريكة في ملكية هذين البيتين ففي حالة إذا قدر الله وفاتي قبلها والله أعلم تعطى نصيبها وهو النصف من التركة ثم يتم تقسيم باقي التركة (البيتين) شرعياً أو على الأقل البيت في المهجر بين الورثة، ولكني في نفس الوقت إذا قدر الله أن يتوفاها قبلي فلا أرغب أن يكون أهلها شركاء وقد توفي والدها يرحمه الله، أرجو إفادتي هل أنا مخير، هل هذا الأمر جائز شرعاً أم واجب (أي يعتبر فرضاً) أم أنني صاحب الاختيار على نحو أخلاقي وليس شرعيا، علماً بأنها لم تطالب بذلك وأنه لا يوجد بيننا أي اتفاق وقيمته 20 أوقية بسعر عام 69 وقد عوضتها بـ 13 أوقية عام 77 ولم أسدد الباقي بعد، وقد ذكرت في عدة مرات بأنني إذا وافتني المنية فهي متنازلة وأيضاً مرة ذكرت بأنها متنازلة إطلاقاً والله أعلم، وهل أعوضها عنه بسعر اليوم للذهب في بلدي الأصلي أم بسعر السنة التي فيها استدنته منها والله وحده أعلم بالظروف المستقبلية من حيث عودتنا للبلد الأصلي، فالظروف التي أجبرتنا على الهجرة لا تزال كما هي وأغلب ظني بأنه إذا قدر الله وتوفيت قبلها فإنها قد لا ترجع وتبقى رهينة الظروف القاسية في الغربة خاصة أنها بلغت الستين ولن تعمر طويلاً في عملها بحكم السن وأيضاً لمحدودية الدخل أصلاً والله أعلم المهجر وليس لها بعد الله من أحد إلا الأولاد وهم في طور بناء أنفسهم ثم إنه لا يبدو أنه يمكن أن يعول عليهم كثيراً في دعمها رغم أن العلاقات الأسرية متماسكة بيننا جميعاً وجيدة ولا يزال ثلاثة منهم يعيشون في كنفنا أصغرهم 18 عاماً والرأي عندي أو السؤال ملخصه: أنني أرجح جعلها شريكة على تقدير أن هذا تعويض لها عن كل تضحياتها وبذلها ومشاركتها المادية تطوعاً بالمال والذهب أو أعوضها عن الأخير الآن إذا استطعت، فما هو الرأي الشرعي القاطع، وهل أنا صاحب خيارأم أن الأمر ملزم شرعاً، وماذا في حالة إذا أوصيت لها بالشراكة وتوفاها الله قبلي، فهل هذا يلزمني بوراثة إخوتها لها أم أنني يحق لي وضع شرط يمنع من ذلك؟ جزاكم الله عنا خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن المال الذي ساهمت به زوجتك في النفقة وغيرها مما يلزمك لا يخلو من حالين:

الأول: أن تكون قد تبرعت به صراحة أو ضمنا، أو لم تصرح لك بشيء وكان العرف جارياً بأن ما تنفقه الزوجة على هذا النحو يعتبر تبرعاً منها ولا يجوز لها المطالبة به في المستقبل، فهذا لا يجب عليك رده، كما لا يحق لها المطالبة به.

الثاني: أن تكون قد صرحت لك بأن هذا المال على سبيل القرض، أو لم تصرح لك بشيء وكان العرف جارياً بأن ما تنفقه الزوجة على هذا النحو يعتبر دينا في ذمة الزوج، فيجب عليك في هذه الحالة الوفاء به إلا إذا تنازلت عنه الزوجة باختيارها، هذا بالنسبة لما أنفقته من أموالها مما لا يجب عليها.

أما عن الدين الذي استدنته منها وهو 20 أوقية والذي وفيت من مجمله 13 أوقية فإن الواجب عليك هو الوفاء بما تبقى منه أيضاً وهو 7 أواق، إلا إذا تنازلت عنه، فإن التنازل عن الدين يبرئ المدين من المطالبة.

وقد ذكرت أنها تنازلت عنه مرة ثم قلت: والله أعلم، وهذا يعني ترددك في حصول تنازلها، وبما أنها لا تزال حية فبوسعك الرجوع إليها للتأكد من ذلك، وفي حالة الوفاء بهذه الأواق تحسب قيمتها بسعر يوم السداد لا بسعر يوم الإقراض، وذلك لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: إني أبيع الإبل بالبقيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير، فقال له صلى الله عليه وسلم: لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء. رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة، هذا ومن قواعد العلماء في الصرف: (الصرف على ما في الذمة بعد الحلول كالصرف على ما في اليد).

أما عن كيفية السداد في حالة ثبوت شيء من المال في ذمتك فيمكنك الوفاء به بما تيسر معك من أجناس المال وذلك بالتراضي بينك وبين الدائن سواء كان الدائن زوجتك أو غيرها.

وفي حالة رغبتك في هبة زوجتك شيئاً من المال، فلا مانع من أن تهب لها ما تراه مناسباً لكفايتها في المستقبل، بشرط أن تكون الهبة منجزة تتسلمها في الحال، ولا يجوز أن تعلق الهبة على وفاتك لأن تعليق الهبة على الوفاة يأخذ حكم الوصية، وقد جاء في الحديث: لا وصية لوارث. رواه ابن ماجه والترمذي وأبو داود. وراجع للتفصيل في هذا الموضوع الفتوى رقم: 51986.

علماً بأن المال الذي تهبه لزوجتك يكون ملكاً لها كسائر أموالها، وفي حالة وفاتها يورث كغيره من الأموال، وإخوتها لا يرثون شيئاً من مالها في هذه الصورة لأنهم محجوبون بالأبناء الذكور، فلا يرثون منها شيئاً إلا إذا مات الأبناء الذكور جميعاً قبلها، ولا يحق لك وضع شرط يمنعهم من الميراث في هذه الحالة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني