الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يأخذ العامل حقه بغير علم صاحب العمل

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد : أولاً وقبل كل شيء إني أحبك في الله يا فضيلة الشيخ .
أما عن قصتي فهي كالتالي : إني شاب عربي مسلم أخاف الله رب العالمين أقيم بدولة أجنبية منذ ثمانية سنوات وقصتي وقعت في خلال السنة الثالثة من مجيئي إلى هذه الدولة حيث وصلت إليها بتأشيرة سياحية ثم بعد ذلك أقمت فيها بطريقة غير شرعية فأنتم تعلمون الحال في بلداننا العربية رغم أني كنت أعمل كإعلامي في مجال الحاسوب ببلدي الأم، المهم عندما قررت البقاء في هذه الدولة الأجنبية شرعت في البحث عن أي عمل حتى أستطيع العيش وبالتالي الحصول على الإقامة والعمل في المجال الذي تخصصت فيه وبالفعل وبفضل الله حصلت على عمل عند أحد إخواننا العرب الذي كان متزوجا بأجنبية غير مسلمة وكانا لا يصليان في محل لبيع المواد الغذائية وكان صاحب المحل مسرورا جدا مني لكونه أميا لا يعرف القراءة ولا الكتابة وكنت أنا الذي أشرف على تسيير المحل من أوله إلى آخره وكان الزبائن يحبونني كثيرا أكثر من صاحبي العمل لكوني كنت مهذبا معهم وأناقشهم في جميع المواضيع منها الثقافية والدينية إلى غير ذلك ومع ذلك كانا يستغلانني كثيرا مثلا هنا في هذه الدولة الأجنبية يعمل الفرد 151 ساعة في الشهر أما أنا فكنت أعمل 231 ساعة في الشهر أي بفارق 80 ساعة إضافية بالإضافة كانا يفرضان علي العمل في الأعياد الوطنية والدينية منها الأجنبية والإسلامية، بالإضافة كذلك إلى العطل فهنا في هذه الدولة يمنح القانون إلى العامل خمسة أسابيع في السنة أما أنا فلم أكن أحصل سوى على أسبوع واحد في السنة وفوق كل هذا فالأجرة الشهرية لم تكن تتعدى الحد الأدنى وهذا ما يسمونه بالعبودية المتحضرة والله المستعان.وبقيت على هذا الحال لمدة ثلاث سنوات محتسبا أمري إلى الله سبحانه وتعالى لأني لم يكن لدي اختيار آخر، وأقسم بالله أني بقيت وفيا لهما لمدة سنتين أما في السنة الثالثة فقد نويت الزواج من فتاة مسلمة ولم يكن لدي المال الكافي لإقامة الوليمة ولشراء بعض اللوازم المنزلية وهنا بدأت أكلم نفسي قائلا إني أعمل كثيرا وأقدم تضحيات كبيرة دون جدوى أما صاحبا المحل فهما في غيبوبة تامة، وتكون لدي كره شديد من جهتهم وهنا قررت أن آخذ حقي بيدي أي بدأت آخذ بعض المال من حين إلى آخر دون علمهم بالطبع وقد مر هذا من غير أي يتبين لهما أي شيء لأنهما كانا يربحان أموالا طائلة بفضل مجهودي الشخصي، أما عن المبلغ فأنا لا أعلمه تحديدا ولكني أشك أنه يناهز شهرا ونصف تقريبا من الأجرة التي كنت أحصل عليها من طرفهم وحتى تكون لفضيلتكم فكرة كاملة عن هذا الموضوع فالعمل الذي قمت به كان اضطراريا وكنت أظن أنه حقي وليكن في علمكم كذلك أني لم أفعل لا كبيرة ولا صغيرة منذ صغري فأنا دائما من المحبوبين لدى الناس لأخلاقي ولصدقي ووفائي ولا أخفي عليكم يا فضيلة الشيخ فبعد زواجي ببضعة شهور أصبت بمرض شديد أعاني منه حتى الآنسؤالي : 1.هل ما أصابني من مرض له علاقة بما فعلته؟ 2.أم هل هذا فقط امتحان من الله عز جل؟ [وهذا ما أتمناه من أعماق قلبي]3.وماذا يجب علي عمله حتى أرضي الله سبحانه وتعالى وهل علي شيء أم لا ؟أفيدوني رحمكم الله.عاجل جدا وشكرا

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن كنتما قد اتفقتما مسبقا على الأجرة الشهرية ( الراتب ) وعلى ساعات العمل التي عملت بها وأعطاك صاحب المحل ما اتفقتما عليه ، فما أخذته من مال هذا الشخص ليس من حقك وما فعلته يعتبر من الخيانة والله تعالى يقول : إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ {الأنفال: 58 } فيجب عليك مع التوبة إلى الله رده لصاحبه ولو بطريقة غير مباشرة ، لأن اتفاقكما ملزم لكما ما لم تتوافقا على تغييره ، والمسلم مطالب بالوفاء بالعهود والعقود لقوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ {الأنفال: 1 } ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : المسلمون على شروطهم . رواه أبو داود والترمذي وصححه هو والألباني ، قال العظيم آبادي والمباركفوري في شرح الحديث: أي ثابتون عليها لا يرجعون عنها.

وإن كان عليك ظلم بموجب هذا العقد فإنه يحق لك رفع هذا الظلم بطرق شرعية ، كأن تصارح صاحب المحل بما أحسست به من هضم لحقوقك ، خاصة أنك ذكرت في سؤالك أنه مسرور منك جدا ، فإن أبى إعطاءك حقوقك فلك أن تبحث عن عمل عند غيره ، فالله الذي يسر لك هذا العمل قادر على أن ييسر لك غيره ، أو تصبر على ما أنت فيه حتى تظفر بعمل آخر ، أو غير ذلك من الأساليب الشرعية ، إلا أنه لا يجوز لك الاتفاق مع صاحب المحل على أمر ثم تأخذ بعض أمواله وهو قد استأمنك عليها بحجة أنه ظلمك .

وأما إن كان صاحب المحل قد خالف العقد الذي بينكما فصار لا يعطيك حقوقك التي اتفقتما عليها ، فحينئذ يجوز لك أن تأخذ حقك ، إلا أنه يجب عليك أن تتحرى الدقة وأن لا تتجاوز الحق الذي لك ، فمن تجاوز وأخذ حق غيره فإنما يأخذ قطعة من النار ، كما ثبت في حديث أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم تختصمون إلىَّ ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو مما أسمع منه، فمن قطعت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له به قطعة من النار . رواه البخاري ومسلم ، وقد توسعنا في ذكر خلاف العلماء في هذه المسألة في الفتوى رقم : 28871 ، فراجعها ، وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم : 36045 ، والفتوى رقم : 6022 .

وأما ما أصابك من مرض فقد يكون ذلك عقوبة وابتلاء كما سبق أن بينا في الفتوى رقم : 40942 ، وقد جاء فيها :دل الشرع على أن المصائب والبلايا قسمان :

الأول : عقاب على الذنوب والمعاصي ، قال الله تعالى : وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى: 30 } وقال الله تعالى : أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {آل عمران: 165 }

الثاني : ابتلاء محبة ورضى ، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : من يرد الله به خيرا يصب منه . رواه البخاري وغيره ، وقال صلى الله عليه وسلم : إذا أحب الله قوما ابتلاهم . رواه أحمد ، وقال الأرناؤوط إسناده جيد ، وبناء على هذا فلا يجوز لأحد الجزم بأحد الاحتمالين بدون دليل ، وإلا كان ممن قال الله فيهم : وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ {الإسراء: 36 }

كما ننبهك إلى أنه لا ينبغي أن تقول عن نفسك بأنك لم تفعل صغيرة ولا كبيرة منذ صغرك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون . رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم وحسنه الألباني .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني