السؤال
هل يوجد تعارض بين الأحاديث المذكور فيها أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان؟ وأيضاً من قال لا إله إلا الله، مع الآيات المذكور فيها أن المنافقين خالدين في النار مع أنهم قالوا لا إله إلا الله؟ وأيضاً الكافرون والمشركون الذين قال الله فيهم إنهم لا يؤمنون إلا قليلاً؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كلمة لا إله إلا الله لا تقبل إلا إذا توفرت شروطها:
ومن شروطها: الصدق المنافي للنفاق، يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه، إلا حرمه الله على النار. رواه البخاري من حديث معاذ، وروى مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستقيناً بها قلبه فبشره بالجنة.
ومن شروطها أيضاً: الكفر بما يعبد من دون الله، يدل على ذلك قوله تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {البقرة:256}، وقوله صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يُعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله. رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل. رواه البخاري ومسلم.
وبذلك تعلم أن المنافقين والكافرين والمشركين لا تشملهم الآيات والأحاديث التي تشهد للمؤمنين أو لمن قال لا إله إلا الله بدخول الجنة، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ {آل عمران:91}، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ {الأعراف:40}، وللمزيد من التفصيل والفائدة حول شروط لا إله إلا الله، راجع الفتوى رقم: 5098.
وأما عصاة المؤمنين، فإنهم قد يدخلون الجنة ابتداء، إذا تابوا من الذنوب توبة صادقة مستوفية لشروطها قبل موتهم، لقول الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، وهذا ما فسر به البخاري في صحيحه الأحاديث التي في معنى ما ذكره السائل، ففي صحيح البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم ثم أتيته وقد استيقظ، فقال: ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر. وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال: وإن رغم أنف أبي ذر. قال أبو عبد الله -أي البخاري-: هذا عند الموت أو قبله إذا تاب وندم وقال لا إله إلا الله غفر له.
وأما إن ماتوا قبل التوبة فهم تحت مشيئة الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم، لقول الله تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا {النساء:116}.
والله أعلم.