السؤال
عاجل جدا !!!!
أنا شاب تونسي تدينت منذ فترة ليست بالبعيدة إلا أن النظام يهدد كل من يعفي لحيته بدعوى أنه متطرف وأصبحت ألقى تهديدات من مراكز الشرطة بعزلي عن الدراسة (مازالت لي سنة واحدة للتخرج من كلية الهندسة) كما أنه اعتقل بعض الإخوة قرب المساجد لنفس السبب، الأمر الذي أدخل والدي في دوامة من القلق و الخوف الكبير وأصبح يرجوني أن أحلق لحيتي حتى أتخرج وأباشرالعمل ثم يمكنني فعل ما أشاء أو السفر خارج البلد. كما أني أيضا في حاجة إلى جواز سفر وهو لا يسلم لمن أعفى لحيته. ولا أخفيكم قولا أني استسلمت لخوفي من الواقع وخففت كثيرا من لحيتي ذلك لما ارتابني من وساوس فأصبحت أشك في نيتي من إعفاء لحيتي فإذا لقيت مباهاة من أصحابي ارتبت أن تكون تلك نيتي، وكما أن خطيبتي متدينة ويعجبها إعفاء لحيتي فبت أظن أحيانا أني ربما أطلب في ذلك رضاها وليس رضا الله. فما حكم وضعيتي (علما أنها وضعية الكثير في هذا البلد). وما حكم ما فعلت وإن أخطأت فكيف التوبة ، وهل يعتبر خوفي على مستقبلي ( من عملي وزواجي ) نقصا في الإيمان أو شركا بالله ، أرجو عدم إحالتي إلى فتاوى أخرى لأنها لا تنطبق على وضعيتي ؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهنيئا لك بنعمة الإسلام والتدين الذي ذكرت، وأعظم بها من نعمة ونسأل الله لك الثبات والاستقامة وهداية مجتمعك وتفريج كروبكم وكروب المسلمين، وعليك أن تواصل السير في طريق الهدى والاشتغال بحفظ القرآن والتفقه في الدين، ومصاحبة أهل الخير والحفاظ على الصلاة في المسجد وحضور مجالس العلم ومتابعة ما يبث منها عبر وسائل الإعلام، ويتعين على المسلم أن يعزم على الطاعات والبعد عن المعاصي ويستعيذ بالله من أن يفرض عليه حلق اللحية ويحافظ على الأذكار المسائية ودعاء الخروج من المنزل، فقد قالت أم سلمة رضي الله عنها: ما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيتي قط إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أُضل أو أزل أو أٌزل أو أظلم أو أٌظلم أو أجهل أو يُجهل عليَّ . رواه أبو داود وصححه الألباني، وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال حينئذ: هديت وكفيت ووقيت. رواه أبو داود وصححه الألباني، وراجع الأدعية المذكورة في الفتوى رقم : 31768 ، ولا شك أنه لا يخفى عليك أن إعفاء اللحية من الأوامر الشرعية الأكيدة التي يجب على المسلم امتثالها، ففي الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خالفوا المشركين، وفروا اللحية وأحفوا الشوارب. وقد تكرر هذا الأمر في عدة أحاديث في الصحيحين وغيرهما، والأمر يقتضي الوجوب على الراجح عند الأصوليين، وقد اجتمع في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وهو هدي النبيين كافة، كما أنه فعل الصحابة والتابعين لهم بإحسان لا يعرف منهم مخالف، وقد قدمنا تفصيل القول فيها في الفتوى رقم : 71215 .
لكن أوامر العزيز الحكيم الرحيم مبنية على رفع الحرج ودفع الضرر قال تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة: 286 }، وقال تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {البقرة: 173 } وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم . أخرجه مسلم، وفي الحديث: تجاوز الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه . رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وعلى هذا إذا كان إعفاء اللحية يسبب للمرء ضررا مجحفا محققا كالقتل أو التشريد أو الحبس أو التعذيب ولم يستطع دفع ذلك الضرر إلا بالتخفيف من لحيته أو حلقها فإنه يجوز له اللجوء إلى الأخف وهو التخفيف ولا يصير إلى الحلق إلا إذا ثبت أن ما دونه لا يدفع عنه الأذى، لأنه فعل ذلك ضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، وضابطها ما جاء في قوله سبحانه: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النحل: 106 } وقوله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ {البقرة: 173 }، فمن ظلم أو تعدى فهو آثم .
وعليه فمن تحقق وقوعه في ضرر يشق احتماله رجونا أن لا إثم عليه بالترخص على ما قدمنا تفصيله، وعليه مع ذلك أن لا يطمئن لما أقدم عليه ولا تركن إليه نفسه، بل عليه أن يبقى متلهفا متعلق القلب تواقا إلى أن يفرج الله عنه تلك الضرورة فيمتثل أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ويعفي لحيته ويقص شاربه، نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم ردا جميلا، وأن يمكن لهم في الأرض ويهيئ لهم من أمرهم رشدا، وراجع الجواب : 3198 ،
وأما موضوع الإخلاص في إعفاء اللحية إن تيسر لك فهو أمر ضروري لما في الحديث: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغي به وجهه . رواه النسائي بسند جيد كما قال المنذري في الترغيب والترهيب ، وصححه الألباني ، وانظر الفتويين : 10992 ، 52210 ، فإن فيهما بيان حقيقة الرياء وأنواعه، وطريقة قلعه من القلب وغرس الإخلاص لله مكانة ، واعلم أن من أراد الله بعمله وأخلص في عبادته ولم يرج غيره ثم أثنى عليه الناس دون أن يقصدهم بعمله، ففرح بثنائهم هذا فلا شيء عليه، بل إن ذلك هو عاجل بشرى المؤمن، وانظر بيان ذلك في الفتوى رقم : 41236 .
والله أعلم .