السؤال
أردت أن أستفسر منكم عن أمر أقلقني دوما والآن بدأ يخطر على بالي أكثر، وأخاف أن يوافيني الأجل قبل أن أتخلص من هذا الحمل الثقيل.أنا أعمل طبيبة, وقد مر بي حادث منذ أن كنت في فترة الإقامة الدورية حيث تنقصنا الخبرة في أمور عدة, في أحد الأيام كنت في خفارة في مستشفى الأطفال وأعطيت طفلا كان في حالة صحية سيئة يبلغ من العمر بضعة أشهر يعاني من تشوهات خلقية متعددة: منها في الجمجمة والقلب وأعتقد الدماغ على ما أذكر، وكان مصابا بعجز في القلب وقد كتب له الأخصائي علاجا لعجز القلب بشكل حقنة وريدية، وكتب في طلبيته: تعطى من قبل الطبيب لأنه يجب أن تعطى بشكل بطيء، وأنا بسبب عدم الخبرة وخطأ وعن غير عمد أعطيته الحقنة بشكل عادي كأي حقنة أخرى، فإذا به بعد فترة قصيرة قد توفي.أعتقد أني أنا الذي قتلته عن غير قصد، مع أن حالته كانت تعبانة، وكتب في تقرير الوفاة عجز الرئة والقلب وهو صحيح، ولكن أحدا لم يحاسبني ولم ينبهني إلى أن هذا ربما كان خطئي، ولكن بقي ضميري يؤنبني فقد قتلت روحا بريئة، وكلما ذكرت ذنبي استغفرت ربي وتألمت لما فعلت.علما بأني لا أذكر اسم الطفل ولا أعرف أهله ولن أستطيع بأي حال أن أصل إليهم، فلمن سأدفع الدية، وما مقدارها من المال بالدينار العراقي إن أمكن أو بالدولار؟ وهل يجوز إعطاؤها لمرضى محتاجين أو إلى مستشفى؟ وأعلم أنه علي أن أصوم شهرين متتابعين كفارة، وأعتقد أني لن أحتمل ذلك الآن فأنا ضعيفة البنية والجو حار جدا الآن والنهار طويل, فهل هناك ما يعوض عن تحرير رقبة أو عن الصيام أو هل يمكنني تأجيله، أخاف أن أؤجله فتوافيني المنية قبل أن أؤدي ما علي؟أجبني في أسرع وقت بارك الله فيك، خوفا أن يدركني الأجل وأحمل وزري معي إلى قبري وعندئذ لا أتحمل عقاب ربي لي. ادع الله لي أن يغفر لي ويعفو عني وعن جميع المسلمين، وأن يهدي أبي للصلاة، وأن يجمعنا في جنات النعيم مع الحبيب المصطفى محمد عليه وعلى آله وأصحابه أفضل الصلاة وأتم التسليم ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن يغفر لك وأن يتجاوز عنك، ولا شك أن ما أقدمت عليه يعد من عظائم الذنوب نسأل الله العافية.
ومن أوهم الناس أنه طبيب- وليس هو كذلك- ويدخل فيه من عالج حالة في غير اختصاصه، فإنه يضمن ما يترتب على علاجه، لقوله صلى الله عليه وسلم: من تطبب ولم يعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن . رواه أبو داود، وفي رواية: ولم يكن بالطب معروفا فأصاب نفسا فما دونها فهو ضامن. فقوله: تطبب، أي: تكلف الطب ولم يكن طبيبا، أو تكلف اختصاصا ليس له دراية به، أو له به دراية لا تؤهله إلى القيام بمعالجة مثل تلك الحالة، فهؤلاء يضمنون خطأهم وعمدهم.
قال ابن القيم في زاد المعاد عن الطبيب الجاهل: فإذا تعاطى الطب وعمله ولم يتقدم له به معرفة فقد هجم بجهله على إتلاف الأنفس، وأقدم بالتهور على ما لم يعلمه فيكون قد غرر بالعليل فيلزمه الضمان لذلك، وهذا إجماع من أهل العلم.
فيلزم فيما أقدمت عليه الدية وهي على عاقلتك شرعا. قال العلامة خليل في المختصر، ممزوجا بالشرح: كطبيب جهل أو قصر فيضمن إذا فعل طبه على جهل منه أو قصر في أدائه أو ما أمر به.. فأدى إلى التلف أو الهلاك.. والضمان على عاقلته، لأنه خطأ.
ولا بد من البحث عن أهل الحق وتوصيله إليهم، فإن تعذر ولم تجدي إليه وسيلة أمكنك أن تتصدقي بها عنهم على المرضى أو غيرهم من المحتاجين. ومتى عرف أصحاب الحق يوما من الدهر خيروا بين إمضاء الصدقة، وبين أن تدفعي لهم الدية ولك ثواب ما تصدقت به، وأما مقدار دية المسلم وتقديرها بالدولار فلك أن تراجعي فيه فتوانا رقم: 34509.
والواجب في كفارة القتل هوعتق رقبة فإن عجز عنها لعدم وجودها، أو عدم وجود ثمنها فالواجب صيام شهرين متتابعين فإن عجز عن الصيام فقيل: يطعم ستين مسكينا وقبل لا يطعم، ولم يرد في آية كفارة القتل ذكر للإطعام كما لم يرد من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نعلم.
وهذه الكفارة مطلوبة على الفور لمن قدر عليها فلا ينبغي تأخيرها خشية أن يداهمك الموت وهي في ذمتك فإن كنت لا تقدرين على الصيام الآن فلك تأخيره إلى زمن القدرة .
والله أعلم .