الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إساءة الأم والأخوال لا يسوغان الهجر والقطيعة

السؤال

هناك مشكلة لزوجي مع أمه أود الاستفسار عنها، زوجي رجل جاد وملتزم، وكان من أبر أبناء أمه بها علمًا بأنه الابن الأكبر لها، فكان لا يطيق أن يستمع أية شكوى مني في حقها حتى وإن كان متأكدا من أنني على حق، وكان دائما يقول هذه أمي، بمعنى أن مكانتها أكبر من أن نسمح لأنفسنا أن نشكو منها، وكان حينما يحضر أي شيء لبيته لا بد أن يأتي بمثله وربما أكثر في الكم لأمه، وكانت هي تستشعر بره بها ودائمًا تدعو له، المشكلة أن زوجي قام منذ فترة بشراء أرض في بلد والدته، بعد تشجيعها له على ذلك، وفكر منذ ثلاث سنوات في بيعها، وهنا بدأت المشكلة، لأن أمه تود بيعها لإخوتها، وكان زوجي لا يعارض ذلك لأنهم أخواله، إلا أنهم أصروا على أن يشتروها بحوالي ثلثي ثمنها فقط، ولن يقفوا عند هذا الحد بل أن الأمر امتد للتطاول على زوجي وأبيه عندما سافروا للأخوال في محاولة لحل الأمر، لأن مما زاد الأمر تعقيدَا أن هذه الأرض في حوزة هؤلاء الأخوال، أي أن زوجي لا يستطيع بيع هذه الأرض لآخرين طالما أن هؤلاء الأخوال لازالوا فيها، كان الغريب في الأمر كله هو موقف أم زوجي التي ساندت إخوانها بشدة وأصرت على ما يقولون وكأنه حقهم، على العلم بأن لها مكانة عظيمة عند إخوانها، فهم لا يتصرفون في أى أمر من أمورهم الخاصة أو العامة دون الرجوع إليها، فهى ليست مجبورة على ما تفعل إطلاقَا، ولقد أثار موقفها دهشة زوجى لأنه هو ابنها الذي لم يسئ إليها يوما ما، وكل ما قاله لها هو أنه يعلم أنهم إخوانها وهو لا يريدها أن تتشاجر معهم، بل فقط يريدها أن تكون محايدة ولا تقوي أحد الأطراف على الآخر، وإن كان في قرارة نفسه مقتنعا أنها يجب أن تساند ابنها طالما أنه على الحق، للأسف ظلت تساند إخوانها بشراسة وإصرار حتى أنها لم تعد تحادث ابنها حتى انتهى الأمر بأن الأخوال حصلوا على ما أرادوا مثلما أرادوا ولكن بعد تحطيم العلاقة بين الأم وابنها ولا حول ولا قوة إلا بالله، المشكلة أن الأم لا تشعر بأنها أخطأت إطلاقَا لأنها ذات شخصية شديدة من البداية وترى أنه كان من الطبيعى أن ابنها يخضع لطلباتها، كما أنها تهمش وربما لا تشعر من الأصل بالأضرار النفسية التي أصابت ابنها بعد هذه المشكلة، ولقد ظل زوجي شهوراً طويلة غير قادر على زيارتها أو التواصل معها بعد أن كان ابنها البار المهذب، حتى بلغنا رمضان الماضي فاستطعت بفضل الله وبمعاونة أخيه أن أقنعه بالذهاب لأمه حتى ينال ثواب الشهر، فذهب بالفعل وكانت مقابلة جيدة لم يفتحا فيها أية نقاشات حرصاً على ما تبقى من العلاقة، ولكن للأسف ظلت هي على موقفها ترى نفسها محقة، وتعتقد أن ابنها قد عاد إليها بعد أن هداه الله وأدرك خطأه، أما زوجي فقط صمت واحتسب وكتم بركان غضبه بداخله، وقرر أن يصاحبها في الدنيا معروفًا، وعاد تقريبًا لما كان عليه، يحضر لها الهدايا ويذهب بها للطبيب إن استدعى الأمر ذلك، إلا أنها وقبل رمضان بحوالي الشهر أتت بزوجة أحد أخويها المغتصبين لأرض زوجي للإقامة عندها لمدة أسبوع، مما جدد أحزان زوجي مرة أخرى وأثار حفيظته ضد أمه ثانية لأنه رأى أنها تحاول بهذا التصرف إعادة العلاقات بينه وبين أخواله الطامعين، فما كان منه إلا أن امتنع عن زيارتها طيلة مدة إقامة هذه السيدة عندها حتى يجعلها تدرك أنه غير موافق على ما تنوي فعله، إلا أنها سافرت مع زوجة أخيها لمدة يومين وعادت ومعها ابنة الأخ المغتصب الأكبر، فشعر زوجي أن الأرض تميد به وأنه لا يساوي شيئاً عند أمه وأنها تصر على قهره وغضبه وأنه ليس مهماً بالنسبة لها وجوده من عدمه، فلم يذهب لزيارتها منذ ذلك الحين حتى عندما أتى رمضان، وهذه هي المشكلة الآن، إنها بالطبع لا تشعر بما فعلت إطلاقًا وليس هناك سبيل لإقناعها، فلا يجرؤ أحد على مواجهتها بما فعلت كما أنها لا تستمع لأحد يهاجمها حتى وإن كان زوجها، بل إن لها القدرة على أن تقنع زوجها بموقفها رغم أنه عايش مشكلة ولده من البداية، إن القضية بالنسبة لزوجى ليست في الأموال التى فقدها، فهو يقول لو أن الأموال هذه ذهبت لأمي لأي سبب ما كنت سأحزن، ولكن ما يحزنه حقًا هو موقف أمه الغريب، وأن هذا الموقف مع أخواله أظهر له وجها لأمه لم يكن يتصور وجوده أصلا، فسؤالي هو: ما حكم موقف زوجي من عدم زيارته لأمه في رمضان، علماً بأن موقفه ليس عن عند أو كبر معاذ الله، ولكنه عن أزمة نفسية عميقة يمر بها عجزت أمامها عن إقناعه بضرورة الذهاب لأمه كما فعلت في المرة الأولى، لأنه يرى أن أمه لم تحفظ له عودته لها سابقًا بل أخذت عودته على أنها ضعف، فضغطت عليه أكثر باستقدامها إخوانها المغتصبين للإقامة عندها، فما هو الرأى في موقف زوجي وهل حقًا ستعلق كل أعماله التي يقوم بها في رمضان حتى يذهب لأمه؟ شكراً لكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما ذكرت من إحسان زوجك وبره بأمه هو الواجب عليه شرعاً، قال الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا {الأحقاف:15}، وقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:23-24}.

وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك. والحديث في الصحيحين عن أبي هريرة. إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الكثيرة التي فيها الحض على بر الوالدين جميعاً وبر الأم خاصة.

ثم إنه ليس من حق الأم أن تجبر ولدها على بيع أرضه أو شيء من ممتلكاته أحرى إذا كان البيع بأقل من قيمتها سواء كان المشتري إخوتها أم غيرهم، كما أن من واجب زوجك صلة أخواله ولو كانوا معه على النحو الذي ذكرت.

فالحاصل إذاً أن على هذه الأم المسؤول عنها أن تعامل ابنها معاملة حسنة، وأن تجتنب الإساءة إليه بأي وجه من وجوه الإساءة، وأن تكف عما تريده من إجباره على بيع أرضه بأقل من قيمتها، وأن يكف أخواله عما هم فيه من الإساءة إليه ومحاولة ظلمه.

وعليه هو أن يعلم أن ما صدر من أمه أو أخواله لا يسقط وجوب بر الأم والإحسان إليها، ولا يسوغ هجرها وقطيعتها أو قطيعة الأخوال، وليتب إلى الله تعالى من قطيعته لها في شهر رمضان، ومن هجران أخواله، وليحذر مما يكيده له الشيطان فإن الشيطان هو عدوه الحقيقي.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني