الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تكره الصلاة في الثوب إذا لم يكن على الكتف منه شيء

السؤال

هل تصح صلاة الرجل وأكتافه مكشوفة؟ مع العلم أني أعلم أنه لا يجوز كشف الكتفين أثناء الصلاة في الحج أو العمرة، وإذا كان هناك فرق بين الصلاة في العمرة والحج، والصلوات في غير الحج والعمرة من حيث كشف الكتف أو تغطيته، فأفيدونا.
جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فليعلم الأخ السائل أولاً أنه لا فرق بين الصلاة في الحج والصلاة في غير الحج، بالنسبة لما ذكره من الكشف عن الكتف أو الكتفين.

أما حكم ذلك في الصلاة عموماً، فهو أن العلماء اختلفوا في إجزاء صلاة من صلى في ثوب واحد ليس على عاتقيه منه شيء، وعدم إجزائها. فقال الجمهور: إنها مجزئة مع الكراهة، وقال الإمام أحمد في رواية عنه والظاهرية: إنها غير جائزة وغير مجزئة، وعنه في رواية أخرى أنها مجزئة غير جائزة.

وسبب اختلافهم هنا هو اختلافهم في فهم المراد من النهي الثابت في الحديث -الآتي ذكره قريباً- فالجمهور حملوا النهي على الكراهة، جمعاً بين الحديث وبين أحاديث أخرى تدل على جواز الصلاة في الثوب الواحد من غير أن يكون منه شيء على العاتق.

والإمام أحمد ومن وافقه حملوا النهي على التحريم وقالوا: إن النهي ما دام للتحريم فهو يقتضي الفساد. ولعل قول الجمهور أولى بالاعتبار لجمعه بين مدلولات الأحاديث. والحديث المشار إليه في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال: النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه منه شيء. ومما جعل الجمهور يحملون هذا الحديث على الكراهة، جملة أحاديث تدل على الصلاة في الثوب الواحد من غير ذكر لجعل شيء منه على العاتق.

من ذلك ما في الصحيحين عن سعيد بن الحارث قال: سألنا جابر بن عبد الله عن الصلاة في الثوب الواحد فقال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فجئت ليلة لبعض أمري فوجدته يصلي وعليَّ ثوب واحد، فاشتملت به وصليت إلى جانبه، فلما انصرف قال: ما السرى يا جابر؟ فأخبرته بحاجتي، فلما فرغت قال: "ما هذا الاشتمال الذي رأيت؟ "قلت: كان ثوب يعني ضاق. قال: "فإن كان واسعاً فالتحف به، وإن كان ضيقاً فأتزر به.

ومن ذلك -أيضاً- ما في المسند عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أنه كان يقول: إذا لم يكن للرجل إلا ثوب واحد فليأتزر به ثم ليصل، فإني سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول ذلك، ويقول: لا تلتحفوا بالثوب إذا كان وحده كما تفعل اليهود. قال نافع: ولو قلت لك إنه أسند ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجوت أن لا أكون كذبت. وقد حسن إسناده أبو عبد الله المقدسي في كتابه الأحاديث المختارة.

وقد فصل النووي -رحمه الله تعالى- في شرح صحيح مسلم هذه المسألة في شرحه لحديث أبي هريرة المتقدم فقال: قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْجُمْهُورُ هَذَا النَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ، فَلَوْ ‌صَلَّى ‌فِي ‌ثَوْبٍ ‌وَاحِدٍ ‌سَاتِرٍ لِعَوْرَتِهِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى شَيْءٍ يَجْعَلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ أَمْ لَا.
وَقَالَ أحمد وبعض السلف -رحمهم الله تعالى- لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ إِذَا قَدَرَ عَلَى وَضْعِ شَيْءٍ عَلَى عَاتِقِهِ إِلَّا بِوَضْعِهِ، لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رِوَايَةٌ أَنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَلَكِنْ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ قَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم- فِي حَدِيثِ جَابِرٍ -رضي الله عنه- فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَأْتَزِرْ بِهِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ.
اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني