الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يضر عقد الزوجية وقوع الرجل أو المرأة في الزنا

السؤال

شيوخنا الأفاضل، إني أكره زوجي في الله، حيث إنه تبدل بعد أن كان مصليا لكل فرض في المسجد، علمت وتأكدت بشهادته هو نفسه، أنه قد زنى عدة مرات، ثم لجأ إلى الزواج كل فترة من أي فتاة، حيث إنه بالغربة ويحتاج على حد قوله إلى من يؤنس وحشته، ولا يستطيع أن يأخذنا معه حيث إن المصاريف كثيرة جداً، ولن تكون في استطاعته، كما يقول لي وقد زنى عدة مرات مما ألجأه إلى عمل فحص للإيدز عدة مرات، وقد رأيت التحاليل بالصدفة، وحين ضغطت عليه اعترف لي ولوالدته وإخوته، لدي أربعة أبناء منه، أصغرهم 6 سنوات، وأكبرهم 14 عاما، أضعف أمامه حين أراه، فهي عشرة عمر، فقد تزوجنا منذ 18 عاما، ولكن حين أفكر في كل ما فعله بنا وبنفسه أشعر أني لا بد أن أكرهه في الله، هو يقول إنه قد تاب، ويذهب لأداء العمرة كلما سنحت له الظروف، هل بقائي معه حرام، هل شعوري أنني لا بد أن أكرهه في الله حرام، هل من الممكن فعلا أن يكون قد تاب بعد أن مارس الرذيلة سنوات عديدة، هل كوني رأيت أوراق التحاليل هو ما أجبره على الاعتراف، كيف أثق فيه بعد كل ذلك، كيف أتركه وأنا لا أعمل الآن، ومن أين أنفق علي أبنائي الأربعة، بالله عليكم كيف يتبدل الفرد من كونه مصليا كل فرض في المسجد، وحج بيت الله الحرام عدة مرات، ويصل رحمه، ويزكي، ويصوم، ثم يتبدل إلى فاسق بكل معنى الكلمة، كذوب، زان، بالله عليكم لا تهملوا سؤالي؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان كما ورد بذلك الحديث الصحيح، فينبغي أن يُبغَض العاصي لمعصيته وتفريطه في حق مولاه، ولكن يجب أن يكون البغض بحجم الذنب، فالمسلم لا يُبغَض بغضاً كاملا ما دام معه أصل الإيمان، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 24845. لأن البغض في الله من أحب الأعمال إلى الله، وهو سبب من أسباب استكمال الإيمان، ففي الحديث الشريف: إن أحب الأعمال إلى الله الحب في الله، والبغض في الله. رواه أحمد. وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان. وللطبراني مرفوعاً: أوثق عرى الإيمان الحب والبغض في الله عز وجل.

ولكن ما دام يذكر أنه قد تاب فعليك أن تغيري نظرتك نحوه وبغضك له لزوال سببه إن كانت توبته صحيحة، وعلامتها الاستقامة وتبدل الحال والندم، فإن كان كذلك فهو دليل على صدق توبته وقبولها، واعلمي أن التوبة تهدم ما قبلها ولو كان أعظم الذنوب ألا وهو الإشراك بالله، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، فالله سبحانه وتعالى يقبل توبة عبده إذا أناب إليه، والمرء ضعيف قد تحصل منه بعض الزلات ولكنه يؤوب ويتوب منها، فالمصيبة ليست في الخطأ وإنما في الإصرار وعدم التوبة منه، قال الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82}، أي وإني كثير المغفرة لمن تاب من الذنوب التي أعظمها الشرك بالله وآمن بالله وعمل صالحا، وقال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ {آل عمران:135-136}، وقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم.

فننصحك أيتها الأخت الكريمة بالصبر وبذل الجهد في نصحه ووعظه وحثه على التوبة والاستقامة، ولا يضر عقد الزوجية وبقاء العصمة وقوع الرجل أو المرأة في فاحشة الزنا أو غيرها من المعاصي، كما أوضحناه في الفتوى رقم: 51937، وقد بينا في الفتوى السابقة ما ينبغي لك فعله، ولكن إن رأيت عدم انزجاره عن ذلك وعدم صدق توبته واستقامته فلك طلب الطلاق منه، ولكن لا يلزمه أن يستجيب لهذا الطلب، كما بيناه في الفتوى رقم: 50499. ولا ننصح بالطلاق لمصلحة الأبناء والتئام شمل الأسرة.

وما كان لك أن تتجسسي عليه وتلجئيه إلى الاعتراف لك بما ارتكبه، وما كان ينبغي له أن يخبرك بذلك بل يستتر بستر الله عليه ولا يفضح نفسه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله. رواه الحاكم والبيهقي، وصححه السيوطي وحسنه العراقي، وقال صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان: عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه. رواه البخاري.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني