الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صلاة الوتر في المذهب الحنفي

السؤال

كيفية صلاة الوتر على المذهب الحنفي بالتفصيل.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن كيفية صلاة الوتر عند الحنفية هي: أن يصلي المصلي ثلاث ركعات يجلس بعد الثانية منهن، ويتشهد ولا يسلم إلا في آخرهن، يقرأ في الأولى الفاتحة والأعلى، وفي الثانية الفاتحة والكافرون، وفي الثالثة الفاتحة والإخلاص، ثم عندما ينتهي من القراءة في الثالثة يكبر وهو قائم، ويدعو بدعاء القنوت: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير كله ولا نكفرنك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق" ثم يركع ويتم صلاته، وهذه الصورة متعينة عندهم في صلاة الوتر.

واستدلوا لذلك بما أخرجه الحاكم في المستدرك عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاثٍ، لا يسلم إلا في آخرهن.

واستدلوا -أيضاً- بما أخرجه الطحاوي عن أبي العالية قال: علمنا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الوتر مثل صلاة المغرب، غير أن نقرأ في الثالثة، فهذا وتر الليل، وهذا وتر النهار.

ولا يجوز عندهم الإيتار بركعة واحدة، ويسمونها البتراء، ويروون في النهي عنها حديثاً لم يثبت عند أهل العلم.

والوتر عندهم واجب، وهو عند الجمهور سنة مؤكدة، ولكونه واجباً عند الأحناف ألزم المرء أن يصليه قائماً، وأن يقضيه إذا فاته، سواء كان سبب الفوات النسيان أم العمد، وسواء طالت المدة أم قصرت.

فهذا مجمل كيفية صلاة الوتر في المذهب الحنفي، ولكن عليك أن تعلم أن الواجب على المسلم هو العمل بكتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وعدم التعصب لمذهب معين، أو قول مهما كانت جلالة قائله إذا كان الراجح من حيث الدليل خلافه.

لذلك، فالذي تقتضي الأدلة رجحانه هو أن الوتر سنة مؤكدة، وليس بواجب وجوب الصلوات الخمس، وأنه يجوز الإيتار بواحدة، وإن كان الأكمل أن يوتر المرء بثلاثٍ أو خمس أو سبع، وفي حالة الإيتار بثلاث ينبغي أن لا تكون مثل المغرب، وإنما يفصل بين الركعتين والركعة بتسليم، أو يوصل الجميع من غير جلوس بعد الثانية، وأن الوتر مثل غيره من النوافل يجوز أن يصليه المرء جالساً، وأن يصليه على الراحلة.

أما أدلة عدم الوجوب، فهي كثيرة منها: حديث الأعرابي الذي جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأله عن الإسلام، فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس إلا أن تطوع" إلى آخر الحديث، وفيه أن الأعرابي قال: والله لا أزيد على هذا، ولا أنقص منه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أفلح إن صدق.

وفي رواية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "خمس صلوات في اليوم والليلة"، فقال الأعرابي: هل علي غيرها؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا، إلا أن تطوع. والحديث في الصحيحين وغيرهما.

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث نفى فرضية أي صلاة ما سوى الصلوات الخمس، وأخبر بفلاح من التزم بهن، ولم يزد عليهن شيئاً.

ومنها بعض الآثار عن الصحابة، منها ما ثبت عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: الوتر ليس بحتم، كصلاتكم المكتوبة، ولكن سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: "إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن. أخرجه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، والترمذي والنسائي، وابن ماجه في سننهم، والإمام أحمد في المسند.

ومنها ما ثبت أن عبادة بن الصامت سئل عن الوتر؟ فقال: أمر حسن عمل به النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمسلمون من بعده، وليس بواجب.

وأما دليل جواز الإيتار بواحدة فمنه ما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح، فأوتروا بواحدة.

وزاد مسلم في روايته: فقيل لابن عمر ما مثنى مثنى؟ قال: أن تسلم في كل ركعتين. وورد تفسير ابن عمر هذا مرفوعاً في بعض روايات المسند لهذا الحديث.

ومنه ما في صحيح مسلم وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الوتر ركعة من آخر الليل.

ومنه ما في السنن وصحيح ابن حبان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الوتر حق، فمن أحب أن يوتر بخمس فليوتر، ومن أحب أن يوتر بثلاثٍ فليوتر، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليوتر بها، ومن شق عليه ذلك، فليومئ إيماءً.

فهذه الأحاديث وأمثالها تدل على جواز الإيتار بركعة واحدة.

وظاهرها يدل على أنه سواء تقدم على تلك الركعة شفع قبلها أو لا، وما استدل به القائلون على عدم جواز ذلك مما هو ثابت صالح الاحتجاج ليس دليلاً في محل النزاع، وغاية ما فيه إثبات أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يفعل ذلك، أو أنه الأولى، وهذا محل اتفاق.

وأما الدليل على أن من أوتر بثلاث عليه أن لا يصليها على هيئة صلاة المغرب، فهو ما أخرجه الحاكم في المستدرك وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الذهبي في التلخيص: على شرطهما، وأخرجه ابن حبان في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا توتروا بثلاثٍ تشبهوا بصلاة المغرب، ولكن أوتروا بخمس أو سبع، أو بإحدى عشرة ركعة، أو أكثر من ذلك. وهذا لفظ الحاكم.

وحديث عائشة المتقدم الذي استدل به المخالفون ليس فيه تصريح بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الثلاث بتشهدين مثل صلاة المغرب، وغاية ما فيه أنه كان لا يسلم إلا في آخرها، فيحمل فعله ذلك على أنه كان يصليها متصلة يجلس في آخرها فقط، ويسلم، جمعاً بين الأحاديث، كما قال الحافظ ابن حجر وغيره.

وأما دليل عدم اشتراط القيام في صلاة الوتر، فهو ما أخرجه الشيخان وغيرهما من أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: كان يوتر على بعيره.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني