الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم قبول الهبة من مال الوالد غير مستغرق بالربا والزكاة

السؤال

السادة أصحاب الفضيلة العلماء أشكركم جزيل الشكر وجزاكم الله خيراً على اهتمامكم البالغ وسرعة ردكم على سؤالي رقم الفتوى 97167 مع ما لمسته من اهتمامكم بإخلاص النصح وفقكم الله وأرجو من الله أن يتسع صدركم لإبداء الرأي فى الوضع الحالي وهو ما توصلت إليه بعد التحري: شاب والده عمله حلال إلا أنه يصر على منع الزكاة وأكل الفوائد الربوية البنكية منذ 25 سنة إلى الآن بالرغم من بيان الحرمة له طوال هذه المدة نسأل الله له الهداية، قام الوالد مؤخرا بشراء شقة فاخرة لابنه ليتزوج فيها كما اشترى الوالد لنفسه شقة فاخرة جدا للعائلة، الابن يؤمل فى الله وظنه فيه أن يهدى والده وقام الابن بحساب للمبلغ الذى يجب على الوالد أن يخرجه عندما يتوب الله عليه بإذن الله وذلك ليرى إذا كان يجوز له الزواج فى هذه الشقة أم لا فتوصل إلى أن المال السائل المتبقى عند الأب لا يكفى للتخلص من المال الحرام إلا:1: أن يقوم الوالد ببيع الشقة الفاخرة جداً التي يسكنون فيها ليستكمل المبلغ وسيفيض مبلغا من ثمنها يسمح للأب أن يشترى لنفسه وللأسرة شقة مثل شقة الابن ليسكنوا فيها.2: أو أن يبيع شقة الابن إذا أراد أن يستمروا فى المسكن الفاخر جداً الذي هم فيه الآن3: وأنه لا يجوز لهم الاحتفاظ بالشقتين معا لأن الحرام يدخل في إحداهما قطعا4: وفى جميع الأحوال فمال الوالد غير مستغرق بالربا والزكاة ولله الحمد والمنة وهذا معناه أنه يجوز للابن تملك الشقة الفاخرة إلا أنه فى هذه الحالة سيتوجب على الوالد ليخرج المال الحرام أن يبيع شقة الأسرة الفاخرة جداً وينتقل إلى منزل أرخص بنصف الثمن، ولكنه مناسب ويخرج باقى الثمن تخلصا من الحرام، الوالد يصر أن يتزوج الولد فى الشقة التي اشتراها له الوالد وإلا يتزوج فى شقة مناسبة بالإيجار من مرتب الابن كما عرض الابن على أبيه، والوالد إلى الآن لما يتب من هذه الأموال المحرمة -هداه الله- ويصر على بقاء الوضع على ما هو عليه وإن كان الابن يغلب على ظنه أن الله إذا منّ على الوالد بالهداية سيفضل بيع شقة الأسرة ولن يرضى أبداً -أكرمه الله- ببيع شقة ابنه لعظيم حبه لابنه، الآن الابن يسكن مع والده وعلى هذا الوضع يكون سكناهم فى هذه الشقة الفاخرة جداً حلال لأن المال السائل وشقة الابن تكفي لإخراج الحرام، فإذا قام الابن بالزواج فى الشقة التي اشتراها الوالد له بنية الأكل من الحلال فهل هذا يعنى أن سكناه هو وباقي العائلة فى شقة الأب يصبح حراما والابن لا يريد أن يدخل أباه وأمه وأخوته (ونفسه أيضا إلى أن ينتقل لشقته) فى الحرج والإثم الشرعي (وذلك بأكل واستخدام المال الحرام وليس فقط حيازته بدون استخدامه كما هو الحال الآن طالما الابن ممتنع عن الزواج) ويفضل أن يمتنع عن الزواج حتى يظل سكنهم حلالاً، وذلك لأن استمرار الوالد فى السكن فى شقته الفاخرة جداً وعدم بيعها للسكن فى شقة عادية مع سكن الابن فى الشقة التي اشتراها له الوالد -يعنى أن إحدى الشقتين حرام بالتأكيد والابن لا يرضيه أن يزيد من تأثيم والده وأن يسكن أمه وأخوته بالحرام من أجل أن يتزوج هو، وهو متنازل تماما عن الزواج فى هذه الحال لاسيما أنه لا يمكنه الزواج فى إيجار جديد نظراً لرفض الوالد الشديد جداً لهذه الفكرة، وأيضا أخوات هذا الولد عندهن عمل ومرتب ويقدران على الاستقلال ماديا فالابن يخشى أنه إذا أخذ الشقة فهل سيتوجب عليهن ترك السكن مع الوالد مع ما فى ذلك من المشاكل والحرج الشديد، وأيضا إذا أخذ الابن الشقة مع استمرار الوالد فى شقته الحالية هل سيزداد الإثم عليه لأنه سيصبح مستعملا وساكنا وآكلا للمال الحرام وليس فقط محصلا وكانزا له كما هو الحال الآن، وأيضا هل يكون الابن -إذا تملك شقته- ساكنا بالحرام فترة مكثه مع الأسرة حتى يتزوج (وذلك لأن شقة الأسرة الآن بعد تملك شقته واعتبارها من الجزء الحلال من المختلط، يصبح نصفها ونصف ثمنها مالا حراما مغصوبا يجب إخراجه) وأيضا حتى بعد زواجه ستبقى بعض متعلقاته فى شقة الأسرة وسيحتاج لزيارتهم وودهم ولا يريد أن يتوجب عليه الامتناع عن هذا وكيف يمكنه أن ينوى الجزء الحلال من شقة الوالد وهي لا تتجزأ بمعنى أن موقعها ومستوى فخامة واتساع الغرف ومرافقها لا يمكن أبداً تحصيلهم إلا بالمال الحرام المكمل لثمنها ولولاه لما تمكنوا من شراء شقة فى هذا الحي أصلا، فهل تصرف الابن بعدم أخذ هذه الشقة صحيح أم ما هو التصرف الشرعي فى مثل هذه الحالة، وهل يجوز له أن يسكن مع أبيه إلى أن يتزوج وتكون المسؤلية على الوالد وذمة الابن بريئة، ونسألكم الدعاء له وللوالد وإبداء الرأي عند أقرب فرصة؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى أن الإصرار على منع الزكاة وأكل الفوائد الربوية أمران خطيران جداً، والواجب على الابن السعي في صد والده عن ذلك بجميع الوسائل المشروعة التي تتاح له، وخصوصاً أنك ذكرت عن الأب من محبة ابنه ما يتوقع معه قبول النصح منه.

وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فإنك قلت إن مال الوالد غير مستغرق بالربا والزكاة، وهذا يفيد أن قبول ابنه الهدية منه جائز، وعليه فينبغي أن يقبل الشقة التي أراد له أبوه أن يسكنها ويتزوج فيها، وأما احتمال أن أباه سيتوب إلى الله ويخرج عنه الربا والزكوات، فإن هذا لا يمكن أن تبنى عليه الأحكام، لأنه أمر غيبي، قد يتحقق وقد لا يتحقق، والأحكام إنما تبنى على ما تحقق بالفعل، فإذا تاب الأب، وأراد أن يتخلص من الحرام فله -حينئذ- أن يختار الطريقة المناسبة لذلك، وفيما ذكرناه رد على كثير من تساؤلاتك، ونسأل الله العلي القدير أن يمن علينا جميعاً وعلى ذلك الوالد بالتوبة النصوح.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني