الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحقيقة أن إشكال السائل ليس في مجرد حكم طاعة الوالدين في أمر الزواج أو الطلاق، فقد ظهر لنا من أسئلته السابقة ـ كالفتويين: 212317، 212323 ـ أن إشكاله في موضوع الوالدين بصفة عامة وعلاقتهما بولدهما. وجواب هذا الإشكال يتيسر بملاحظة أن الإسلام وشريعته قد أعطت لكل ذي حق حقه، فأقامت بذلك العدل، ومن تمام ذلك أنها فاوتت بين هذه الحقوق ولم تسو بينها، باعتبار تفاوت الرتبة أو القرابة أو المصلحة أو الاستحقاق، حتى فاوتت بين الوالدين نفسيهما، فجعلت حق الأم أعظم من حق الأب ! ومن جملة ذلك ما قررته حقا للأبناء على آبائهم، وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتويين: 190121، 23307. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 94894، 114988.
ومن جملة الحقوق الثابتة للأبناء: حقهم الشرعي في اختيار شريك الحياة، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 19220.
ولا يلزم الابن طاعة والديه في الزواج من امرأة لا يريدها، كما لا يلزمه تطليق زوجته لأمرهما.
أما إن نهياه عن الزواج من امرأة بعينها، فالأصل وجوب طاعتهما، ما لم يخش الوقوع في الحرام مع هذه المرأة، وكذلك لو منعه أحد والديه لمجرد التعنت، فلا تجب طاعته عندئذ، خاصة إذا كان الابن سيتضرر من ترك الزواج بهذه المرأة؛ وراجع في ذلك الفتوى ذوات الأرقام التالية: 123570، 93194، 141389، 115226.
وهنا ننبه على كون الأولى والأفضل ـ بلا ريب ـ أن يقدم الإنسان بر والديه على هوى نفسه، فإن هذا على ما فيه من أجر وفضل، يكون أدعى للمودة والتواصل، وأبعد عن التهاجر والتدابر، في العائلة الواحدة.
والله أعلم.