 
  عندما قدم النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة ، كان همّه الأول أن يوطّد دعائم الدولة الإسلامية الناشئة ، فشهدت الأيّام الأولى من وصوله القيام بعدد من الخطوات المباركة والتي من شأنها أن تؤمّن مستقبلها ، وتحمي أرضها ، وتنظّم العلاقات بين أفرادها .
وجاء إنشاء المسجد النبوي بعد وقتٍ قصيرٍ من مقدم النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فقد كان يصلي حيث أدركته الصلاة باديء الأمر ، ولم يمض أسبوعان على وصوله حتى شرع في البحث عن مكان مناسب للبناء ، واستقرّ رأيه على مربد - وهو الموضع الذي يُجفّف فيه التمر - كان ملكاً لغلامين يتيمين في المدينة يعيشان عند  أسعد بن زرارة  رضي الله عنه ، ووقع اختيار النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك المكان عندما بركت راحلته فيه أثناء بحثه ، وقال حينها :  ( هذا إن شاء الله المنزل )  رواه  البخاري  .
ثم طلب النبي – صلى الله عليه وسلم – من سادات بني النجار الحضور ومعهم الغلامين ليعرض عليهم شراء تلك الأرض ، وقال لهم :  ( يا بني النجار ، ثامنوني بحائطكم هذا – أي اطلبوا له ثمنا - )  ، فقالوا : " لا والله لا نطلب ثمنه " ، وقال الغلامان : " بل نهبه لك يا رسول الله " ، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أبى لعلمه بحاجتهما ، وعوّضهما بالثمن المناسب ، رواه  البخاري  .
وقبل الشروع في البناء كان على المسلمين تسوية الأرض ، وقطع النخيل ، حتى يتمكّنوا من صفّ الحجارة في قبلة المسجد التي كانت تتجه نحو بيت المقدس آنذاك .
وما أعظم سرور الصحابة وهم يعملون جنباً إلى جنب ، بهمّة عالية ، وإرادة صلبة ، وعزيمة لا تلين ، ويروّحون عن أنفسهم بأبيات من الشعر تزيد من نشاطهم ، وتخفّف عنهم مشقّة العمل ، فمن ذلك قولهم :
                   هذا الحمال لا حمال خيبر    هذا أبر ربنا وأطهر 
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشاركهم في نقل الحجارة وإنشاد الأشعار ، فثبت في صحيح  البخاري  أنه كان يرتجز بقول الشاعر :  
                   اللهم إن الأجر أجر الآخرة  فارحم الأنصار والمهاجره 
 وفي الوقت الذي كان الصحابة يحملون فيه الحجارة لبنة لبنة ، كان  عمار بن ياسر  رضي الله عنه يحمل لبنتين في كلّ مرّة ، فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم – وهو على هذه الحال فجعل ينفض التراب عن رأسه ويقول :  ( يا  عمار  ، ألا تحمل لبنة لبنة كما يحمل أصحابك ؟ )  ، فردّ عليه قائلاً : " إني أريد الأجر عند الله " فالتفت النبي – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه وقال :  ( ويح  عمار  ، تقتله الفئة الباغية )  رواه  البخاري  .
ورأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – صحابيّاً من اليمامة ، فأعجب بمهارته في خلط الطين وتجهيزه ، فقال :  ( قدموا اليمامي من الطين ؛ فإنه من أحسنكم له مسّاً )  ، وفي رواية :  ( قربوا اليمامي من الطين فإنه من أحسنكم له بناء )  رواه  ابن حبان  و البيهقي   .
 وخلال فترةٍ وجيزة ، استطاع الصحابة رضوان الله عليهم أن ينتهوا من بناء المسجد ، وقد جعلوا سواريه من جذوع النخل ، وأعلاه مظلل بالجريد وسعف النخيل واستغرق بناؤه اثني عشر يوماً ، ثم أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – ببناء حجرات لنسائه ، وحدّد موقعها بحيث تحد المسجد من جهة الشمال والشرق والجنوب ، وبعد اكتمالها ترك النبي – صلى الله عليه وسلم – دار  أبي أيوب  رضي الله عنه وانتقل للسكنى فيها .
وببناء المسجد النبوي تحقّق للمسلمين حلمهم الكبير في الاجتماع للعبادة وذكر الله ، ولم يتوقّف دور المسجد عند هذا الحد بل صار موضعاً للحكم والقضاء، وإدارة الدولة وسياستها، ومنطلقا لقوافل الجهاد ، ومأوى للفقراء من أهل الصفّة ، ومنارة لتعليم القراءة والكتابة ، تشعّ أنوار الهدى حتى يومنا هذا .
 
				 
				 
  فتاوى الحج
 فتاوى الحج مقالات الحج
 مقالات الحج تسجيلات الحج
 تسجيلات الحج استشارات الحج
  استشارات الحج 
        						




 
						 
						

 
					 
					