الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المبادرة إلى الحج

المبادرة إلى الحج

المبادرة إلى الحج

الحج ركن من أركان الإسلام وفريضة من فرائضه، فرضه الله على القادرين من مكلفي المسلمين، في العمر مرة واحدة، وهو من مباني الإسلام ودعائمه الكبار، وقد ثبت وجوبه بالكتاب والسنة وإجماع الأمة:
قال الله سبحانه وتعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}(آل عمران:97).

وفي صحيح مسلم من حديث عمر المشهور بحديث جبريل أو بحديث الدين، قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: [يا محمد أخبرني عَنْ الإسلام؟ فقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رَسُول اللَّهِ، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا"، قَالَ: صدقت].
وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [بُنِي الإسلامُ على خمسٍ: شَهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، والحجِّ، وصومِ رمضانَ]. وفي روايات في غير الصحيحين، [وحجِّ البيتِ لمنِ استطاعَ إليهِ سبيلًا].

الحج مرة
وهذا الحج كتبه الله على المسلم المكلف الحر المستطيع في العمر مرة واحدة كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ففي المسند وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [خطبَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ كتبَ عليكمُ الحجَّ فقامَ الأقرعُ بنُ حابسٍ، فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ أفي كلِّ عامٍ؟ قال: لَو قلتُها لوجبَت، ولَو وجبَت لم تعملوا بِها ولن تستطيعوا أن تعملوا بِها، الحجُّ مرَّةً، فمَن زادَ فَهوَ تطوُّعٌ](حسنه ابن حجر والألباني، وصححه أحمد شاكر).

وقد أجمعت الأمة على وجوب الحج على المستطيع في العمر مرة واحدة ونقل هذا الإجماع عدد من أئمة المسلمين.

المبادرة المبادرة
وإذا كان الحج فريضة وركنا من أركان الإسلام، فينبغي على الإنسان أن يسارع بأدائه لأداء الركن وإسقاط الفرض، خصوصا وقد ذهب جمهور العلماء إلى وجوبه وتعينه على الفور، واستدلوا بما رواه الإمام أحمد والنسائي عن عبد لله بن عباس رضي الله عنهما قال: صلى الله عليه وسلم: [تعجَّلوا إلى الحجِّ - يعني الفريضةَ - فإنَّ أحدَكم لا يدري ما يعرِضُ له](وقد ضعفه جماعة، وحسنه الألباني في الإرواء وصحيح الجامع).

وقد بين عليه الصلاة والسلام بعض هذه العوارض التي قد تعرض للعبد فتصرفه عن الحج، وذلك فيما رواه ابن ماجه وحسنه ابن حجر والألباني وأحمد شاكر عن ابن عباس أيضا فقال: [من أراد الحجَّ فليَتَعجَّلْ؛ فإنه قد تَضِلُّ الضَّالةُ، ويَمرضُ المريضُ، وتكونُ الحاجةُ].
أنت اليوم قوي وعندك الوقت والمال وتستطيع أن تذهب، وأما غدا فلا تدري كيف يكون الحال، ثم إن الموت يأتي بغتة ولا يُدرى له موعد.

ومما يبعث على المسارعة بالحج ما رواه الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلى بيت الله الحرام فلم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً، وذلك أن الله يقول: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}. قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

وقد رواه البيهقي من رواية الحارث عن علي أيضا، ورواه أيضاً عن عبد الرحمن بن سابط عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من لم تحبسه حاجة ظاهرة أو مرض حابس أو سلطان جائر ولم يحج، فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً].

قال الحافظ في التلخيص: "هذا الحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وقال العقيلي والدارقطني لا يصح فيه شيء. قلت (القائل ابن حجر): وله طرق. ثم ساق الحافظ طرقه عن أبي أمامة وعلي وأبي هريرة رضي الله عنهم. ثم قال: وله طريق صحيحة إلا أنها موقوفة رواها سعيد بن منصور والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال: لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من له جدة ولم يحج فيضربوا عليه الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين. لفظ سعيد، ولفظ البيهقي أن عمر قال: ليمت يهودياً أو نصرانياً ـ يقولها ثلاث مرات ـ رجل مات ولم يحج ووجد لذلك سعة وخليت سبيله. قلت (ابن حجر): وإذا انضم هذا الموقوف إلى مرسل ابن سابط علم أن لهذا الحديث أصلاً ومحمله على من استحل الترك وتبين بذلك خطأ من ادعى أنه موضوع". انتهى كلام الحافظ..
هذا وقد حكم الشوكاني على الحديث بأنه حسن لغيره.

وقد تبين مما سبق أن الحديث حتى وإن لم يصح مرفوعا، فقد صح موقوفا عن عمر رضي الله عنه وهو من هو.

وعلى العموم فقد ندب القرآن الكريم والسنة المشرفة إلى المسارعة للخيرات، والمسابقة للطاعات، والتعجيل بأسباب دخول الجنات، فقال جل في علاه {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}(آل عمران:133)، وقال: {سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}(الحديد:21).

وقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: [بادِروا بالأعمالِ سبعًا هل تنتظِرونَ إلا إلى فَقرٍ مُنسٍ، أو غِنًى مُطغٍ، أو مرضٍ مُفسدٍ، أو هَرَمٍ مُفَنِّدٍ، أو موتٍ مُجهِزٍ، أو الدجَّالِ فشَرُّ غائبٍ يُنتَظَرُ، أو الساعةِ فالساعةُ أَدهَى وأمَرُّ](رواه الترمذي وقال حسن غريب).
نسأل الله أن ييسر للمسلمين حج بيته الكريم، ويجعله لهم عتقا من النار.. آمين.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة