الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحرب في الأدب العربي

الحرب في الأدب العربي

الحرب في الأدب العربي

العرب أمة شدة وبأس، جربوا الحروب، وذاقوا مراراتها، وكانوا دوماً أهل غارة وقتال، ولقد تحدث الأدب العربي عن الحرب ونتائجها، وعن انعكاساتها الخطيرة على الاستقرار، والسلم، ولقد كان أهل العقل من الأدباء دوماً يدعون مجتمعاتهم لتبني خيار السلم، وأن لا تكون الحرب إلا استثناءً واضطراراً.

ولقد وصف الأدباء الحرب ونتائجها وحذروا منها نثراً، وشعراً، فمن ذلك قول عنترة بن شداد وقد قيل له صف لنا الحرب؟ فقال: أولها شكوى، وأوسطها نجوى، وآخرها بلوى.
وقال بعضهم: الحرب مرة المذاق، إذا كشفت عن ساق.

ويلحظ القارئ في الأدب العربي أثر الحروب العميق، الواسع المدى على الشعر، والشعراء، كما يلحظ أثر الشعراء الكبير على الحرب فهم الذين يثيرون القوم، ويهيجون غضبتهم، وقد يساهمون في تهدئتهم، وجلب الصلح والوفاق بين المتحاربين.

لقد نبه العقلاء من الأدباء إلى ضرورة تجنب الحرب؛ ومن منا لم يقرأ لشاعر الحكمة والرزانة زهير بن أبي سلمى وهو يقول :

وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ
مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَةً وَتَضرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ
فَتَعرُكُّمُ عَركَ الرَحى بِثِفالِها وَتَلقَح كِشافاً ثُمَّ تَحمِل فَتُتئِمِ
فَتُنتَج لَكُم غِلمانَ أَشأَمَ كُلُّهُم كَأَحمَرِعادٍ ثُمَّ تُرضِع فَتَفطِمِ
وقد وصفوا الحرب بأنها: غشوم، لأنها تنال غير الجاني.
ولا شك أن الحروب الداخلية جناية على المجتمعات، ومدعاة للخراب، والدمار؛ خاصة تلك التي تدور بين أبناء البلد الواحد، وأهل الملة المتحدة، فإن ذلك إيذان بأفول ذلك المجتمع وزوال وحدته، وانفراط عقده.

وأما القتال من أجل الأمة، والدين، وفدى الأوطان، فهو غاية أصحاب الهمم العالية، ولذلك؛ لما بلغ عبد الله بن الزبير مقتل أخيه قال: إن يُقتل فقد قُتل أبوه وأخوه وعمه، إنا والله لا نموت حتفاً، ولكن قطعاً بأطراف الرماح، وموتاً تحت ظلال السيوف، ومن ذلك قول السموأل:
وَما ماتَ مِنّا سَيِّدٌ حَتفَ أَنفِهِ وَلا طُلَّ مِنّا حَيثُ كـــــانَ قَتيلُ
تَسيلُ عَلى حَدِّ الظُباتِ نُفوسُنا وَلَيسَت عَلى غَيرِ الظُباتِ تَسيلُ

ذلك أن الموت في ساحات الوغى شرف يوم أن يكون من أجل الدفاع عن الأمة، والذب عن حياضها، وحماية مقدساتها.
وللعرب في خوض الحروب أساليبهم الذكية لقطف ثمار الحرب وتحقيق الانتصار، وقد سئل بعض قادة الحرب من العرب : أي المكايد فيها أحزم؟ - قال: إذكاء العيون، وإفشاء الغلبة، واستطلاع الأخبار، وإظهار السرور، وأمانة الفرق، والاحتراس من المكايد الباطنة.

وقال المهلب لبنيه: عليكم بالمكيدة في الحرب، فإنها أبلغ من النجدة"
وكان قتيبة بن مسلم يقول لأصحابه: إذا غزوتم فأطيلوا الأظفار، وقصوا الشعر، والحظوا الناس شزراً، وكلموهم رمزاً، واطعنوهم وخزاً.
لا شك أنه كان للشعراء والأدباء دورٌ بارز في المعارك لا يقلُّ عن دور الفرسان فيها.

ويمكن أن نخلص إلى أن الشعر العربي صَوَّر الحرب تصويراً عميقاً، دقيقاً، صوَّر كل صغيرة وكبيرة من شؤونها: حسناتِها، وسيئاتِها، دوافعها، وفواجعها، ضروراتِها ،والمآسي الناجمة عنها، ومثلما حرَّض عليها دعا إلى اجتنابها ما لم تكن حاجة إليها، حتى قال قائلهم:
الْحَرْبُ أَوَّلُ مَا تَكُونُ فُتَيَّة تَسْعَى بِزِينَتِهَا لِكُلِّ جَهُولِ
حَتَّى إِذَا اسْتَعَرَتْ وَشَبَّ ضِرَامُهَا عَادَتْ عَجُوزًاً غَيْرَ ذَاتِ خَلِيلِ
شَمْطَاءَ جَزَّتْ رَأْسَهَا وَتَنَكَّرَتْ * مَكْرُوهَةً لِلشَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة