الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خلاصة في أحكام المفطرات المعاصرة

خلاصة في أحكام المفطرات المعاصرة

خلاصة في أحكام المفطرات المعاصرة
الصوم من العبادات التي شرعت وفق شروط تصح بها، ولها مفسدات نص عليها الشرع تفسد بها بالإجماع، ولكن كما هي طبيعة الحياة البشرية تستجد فيها أمور متعلقة بالعبادات، ولا سيما في الجانب الصحي المتعلق ببعض الأمور الطبية التي يتناولها المريض في أثناء الصيام، وقد تناولها الفقهاء المعاصرون بالبيان والإيضاح لما يؤثر منها على صحة الصوم وما لا يؤثر عليه، وفق ضابط علمي يمكن القياس عليه.
ضابط ما يحصل به التفطير:
يذكر جمع من المحققين ضابطا معياريا في باب المفطرات وهو: أن المفطرات ما كان منصوصًا عليه كالأكل والشرب والجماع والحيض، فهذه أمور مفطرة بالإجماع، ويلحق به ما كان في معنى المنصوص، كالإبر المغذية، فهذا أيضا يفطر به الصائم، لأنها تقوم مقام الطعام، ويدخل في هذا ما يتناوله الصائم قصدا عن طريق الفم ويصل للمعدة فيفطر به وإن لم يكن طعاما ولا شرابا كالأدوية مثلا، بل هي في حكم الطعام والشراب. وعلى هذا الضابط فإن المفطر هو ما كان منصوصا عليه أو في حكمه ومعناه فإنه مفطر.
وقد توسع فقهاء المذاهب في باب المفطرات، فجعلوا من الضوابط المهمة في باب المفطرات: دخول شيء إلى الجوف من أي منفذ موصل إليه، سواء كان طعاما أو غير طعام، مغذيا أو غير مغذي، فيقولون مثلا: العين منفذ موصل إلى الجوف، فلو اكتحل وأحس بطعم الكحل في حلقه أفطر، ومثله الأذن، والإحليل، والدبر، ولا شك أن هذا التوسع سيجعل الكثير من الأمور الطبية المستجدة مفسدة للصوم، ولكن الكثير من الفقهاء المعاصرين لا يأخذون بهذا الضابط كما سنرى في المسائل المعاصرة الآتية.
أولا: علاج الربو وأثره على الصيام:
من أشهر أنواعه استخدام البخاخ، ويكون في عبوة يضعها المصاب بالربو في فمه، ويستنشق هذا البخاخ، والهدف منه: توسيع الشعب الهوائية، وأكثر العلماء المعاصرين على أن هذا البخاخ لا يفسد الصيام، وليس له أثر على صحة الصيام لأمرين: الأول: أن هذا البخاخ ليس أكلًا ولا شربًا، وليس في معنى الأكل والشرب؛ والثاني: أن معظم هذا البخاخ إنما يذهب للقصبة الهوائية؛ ولمجاري النفس، ولا يذهب للمعدة منه إلا شيء يسير جدًّا، فيعفى عنه.
وهناك نوع آخر من علاج الربو، وهو ما يكون على شكل كبسولات تحتوي على مادة مثل البودرة، أو الطحين الدقيق، يضعها في فمه، فتختلط بالريق فيبتلعها، وهذه مفسدة للصيام؛ لأن لها جرمًا يصل إلى المعدة عن طريق الفم.
ثانيا: الأقراص التي توضع تحت اللسان وأثرها على الصيام:
هذه الأقراص يستخدمها غالبًا المصابون بأمراض القلب، بحيث توضع تحت اللسان، ويمتصها الجلد، وهذه محل خلاف بين العلماء، والأكثر على أنها لا تفسد الصيام؛ وذلك لأنه يُمتص في الفم، ولا يدخل شيء منه إلى المعدة.
ثالثا: منظار المعدة وأثره على الصيام:
منظار المعدة الذي يُدخل عن طريق الفم؛ لأمرٍ يحتاجه الطبيب في المعدة، فلو افترضنا إُدخاله إلى المعدة من غير أن يحتف به أمورٌ أخرى، فهذا لا يُفسد الصيام؛ لأنه ليس أكلًا ولا شربًا، وليس بمعنى الأكل والشرب.
ولكن إذا صحب منظار المعدة ماءٌ أو مادة دهنية، وهو الغالب، فإن هذا المنظار يكون مفسدًا للصيام.
وأما بالنسبة للمناظير الأخرى، فإنها لا تُفسد الصيام، فالمنظار الذي يكون عن طريق فتحة الشرج مثلًا، أو عن طريق أي موضع آخر من مواضع البدن، هذه لا تُفسد الصيام؛ لأنها ليست أكلًا ولا شُربًا، ولا بمعنى الأكل والشرب.
رابعا: قطرة الأنف وأثرها على الصيام:
قطرة الأنف إذا كان ماء القطرة لا يصل للجوف، بحيث استخدم هذه القطرة في طرف أنفه، فهذه لا تُفسد الصيام، لكن لو نفذ ماء القطرة إلى جوفه، فأكثر العلماء المعاصرين على أنها تُفسد الصيام.
خامسا: أثر استخدام قطرة الأذن على الصيام:
الذي عليه أكثر الفقهاء: أن الأذن ليست بمنفذٍ للجوف، وما دام أنها ليست منفذًا للجوف، فيترتب على هذا أن استخدام قطرة الأذن لا تُفسد الصيام، وأما الطعم الذي قد يحسه فهو مجرد رطوبة، لا يؤثر على صحة الصيام.
سادسا: منفذ العين وأثر ما يوضع فيه على الصيام:
بما أن العين ليست منفذا معتادا للطعام والشراب، فاستخدام قطرة العين ليس لها أثر على صحة الصيام، ومن وضع القطرة في عينه أن صيامه صحيح، ولو افترضنا أنه يصل للجوف منه شيء يسير فما يصل هو شيء يسير جدًّا يعفى عنه.
سابعا: الغسول المهبلي والتحاميل والقسطرة البولية وأثرها على الصيام:
ما يدخل للجسم عن طريق المهبل، أو عن طريق فتحة الشرج، أو حتى عن طريق فتحات البول، ليس له أثر على صحة الصيام، والصيام معه صحيح، وذلك لأنها ليست بطعام ولا شراب، وليست بمعنى الطعام والشراب.
ثامنا: أثر الإبر والحقن المغذية على الصيام:
استخدام الإبر المغذية مفسد للصيام، ومفطر للصائم؛ لأنه يستغني بها عن الطعام والشراب. ومثلها الحقنات المغذية عن طريق الدبر، لوجود نفس العلة وهي الاستغناء بها عن الطعام والشراب.
أما الإبر والحقن غير المغذية وهي العلاجية، مثل: إبر الأنسولين التي يحقن بها مريض السكر، فأكثر العلماء المعاصرين على أنها ليست بمفسدة للصيام؛ لأنها ليست أكلًا ولا شربًا، ولا بمعنى الأكل والشرب، والأصل هو صحة الصيام.
تاسعا: أثر استخدام المراهم واللصقات على الصيام:
المراهم لا تفسد الصيام؛ لأنها ليست بأكل ولا شرب، وليست في معنى الأكل ولا الشرب بجميع أنواعها.
عاشرا: أثر الغسيل الكلوي على الصيام:
الغسيل الكلوي مفسد للصيام؛ لأنه تضاف سكريات وأملاح ومعادن، وهذه المواد حقنها بالإنسان مفسد للصيام،
الحادي عشر: أثر التخدير على الصيام:
إذا كان التخدير موضعيًّا بحيث يبقى معه الإدراك فإنه لا يفسد الصيام، وأما التخدير الكلي إذا استمر جميع النهار فإن الصيام غير صحيح ويلزمه القضاء، أما إذا كان التخدير الكلي لا يستوعب جميع النهار، بحيث يفيق جزءا من النهار، سواء كانت الإفاقة في أوله أو في وسطه أو في آخره، فالصيام صحيح.
الثاني عشر: التبرع بالدم وأثره على الصيام:
سحب الدم للتحليل أو للتبرع به لا يفسد الصيام، وأما حقن الدم وتلقيه فأكثر العلماء المعاصرين على أنه مفطر؛ لأنه بمعنى الأكل والشرب، بل الدم هو غاية الغذاء بالطعام والشراب.
الثالث عشر: استخدام الأكسجين للصائم وأثره على الصيام:
أكثر العلماء المعاصرين على أن استخدام الأكسجين لا يُؤثر على صحة الصيام؛ وذلك لأن هذا الأكسجين إنما يجري مجرى النفس، والقصبة الهوائية، والشعب الهوائية، ولا يذهب للمعدة، وما قد ينفذ إلى المعدة إنما هو جزء يسير جدًّا يعفى عنه.
هذا وقد يجد القارئ قولا على خلاف ما سبق لكن هذا لا يشكل، فالمسلم يأخذ بما يطمئن له قلبه، ولا يزال العلماء يختلفون في الأحكام قديما وحديثا، في باب الصيام وغيره من الأبواب، ومن قلد مجتهدا فقد برئت ذمته بذلك، ما لم يقصد تتبع الرخص في المذاهب والأقوال.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة