
شهر رمضان هو نفحة من أعظم نفحات الله لعباده، وأعظم أيام الخير، وأعظم مواسم الطاعة، وهو فرصة العمر بالنسبة للمسلم، في تحصيل التوبة والعفو والمغفرة، ورفعة الدرجات، وتحصيل الحسنات، والفوز بالجنة، والنجاة من النار..
والمسلم الصادق يسعى للفوز بأكبر قدر من الجوائز في هذا الشهر ويترقى فيه حتى يفوز بالجائزة الكبرى، وهي العتق من النار.
ومن باب التعاون على البر والتقوى فهذه نصائح وقواعد نافعة ننصح بها أنفسنا وإخواننا حتى نحقق مرادنا من رمضان، ونكون فيه من الفائزين:
1 ـ صم صيام مودع
وهذه وصية هائلة وصى بها النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين في الصلاة حتى تؤدى على أكمل هيئة وأحسن حال، فقال: (إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ، فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ)[ابن ماجة]... أي صلاة رجل لا يصلي بعد هذه الصلاة أبدا.
ونحن نقول هذا للصائمين: صم صيام مودع، كأنه آخر رمضان لك في الحياة، وكأنك لن تدرك رمضان آخر بعده، ولا ليلة قدر، فكيف سيكون حالك؟ لا شك أنك ستغير كل شيء في حياتك وطريقة تعاملك مع الوقت والعبادات والطاعات، وطريقة الدعوات، والتذلل لرب الأرض والسموات، ستتقن الأعمال، وتبحث عن الأعظم أجرا والأكثر ثوابا، والأرضى لله..
حاول أن تعيش هذه التجربة وسترى الفارق.
2 ـ صم صيام الصادقين:
فإن الصائم الصادق يعلم أن الصوم عبادة، وأن الإخلاص روحها، وأن الرياء محبط للعمل، وأن الله أغنى الشركاء عن الشرك، فمن راءى بعمله أو أشرك تركه الله وشركه.
والصائم الصادق يعلم أن الصوم لا يتم أجره إلا بأن يكون على هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وسننه، فيصوم كما كان يصوم، ويقوم كما كان يقوم، ويفطر كما أمرنا، ويتسحر كما ندبنا؛ {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب:21].
والصائم الصادق يستحي من الله حق الحياء، فيصون بصره وسمعه ولسانه عن جميع ما يتعلق بها من محرمات؛ فـهو يعلم قول نبيه: (من لم يدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بِهِ ، فليسَ للَّهِ حاجةٌ بأن يدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ)[صحيح الترمذي].
الصائم الصادق يعلم أن الصوم جُنَّة يعني وقاية وحماية من النار وغضب الجبار، فلا يخرقها بقبيح الأقوال أو سيء الأفعال، أو دنيء الأخلاق والخصال.
الصائم الصادق لا يمكن أن يفوت صلاة في جماعة حتى لا يفوت عليها مضاعفات أجرها وثواب المشي إليها، وما يحيط بها من بركات وثمرات.
الصائم الصادق يتنزه أن يمتنع عما أحل الله في النهار ثم يقع فيما حرمه عليه في الليل.. فيفطر على الحرام.. أو يسهر على مشاهدة الحرام، فضلا أن يقع فيما هو أكبر من ذلك؛ إذ ليس ذلك من فعل الصادقين.
3 ـ الاتقان والإحسان
ففي الحديث: (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ)[أخرجه أبو يعلي وهو في صحيح الجامع]، فاجهد في إصلاح أعمالك، وإتقان أفعالك وإن كثرت، فإن قلت فلا تجمع بين القلة وعدم الإتقان، لا يكون حشفا وسوء كيلة، واعلم أن الله يحب المحسنين، وأن الهداية والإعانة مع الإتقان والإحسان: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}العنكبوت:69].
اقرأ القرآن كأنه لك، وهو كذلك، استغفر وأنت نادم، تب وأنت عازم، سبح وأنت معظم، تصدق وأنت مشفق، وادع وأنت موقن، واطلب وأنت راج، وأحسن الظن، فإن الله عند ظن عبده به.
واستحضر دائما عظيم نعم الله عليك، وشهود تقصيرك فإنه يتولد لك منه الحياء فيمنعك عن الذنب أو عن رؤية النفس والعمل.
4 ـ معرفة مراتب الأعمال و االمتاجرة بالنوايا
بالنية الطيبة تتحول المباحات إلى عبادات وطاعات: كالأكل والنوم والمذاكرة، ومؤانسة الأهل، ومداعبة الأولاد، وتنظيف البيت، وتهيئة المنزل.. وأشباهها.
قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لك امرئ ما نوى}[متفق عليه]، وأيضا قوله: (من همَّ بحسنةٍ فلم يعمَلها كتبها الله له عنده حسنة كاملة)[البخاري ومسلم].
ومن الأعمال ما هو في الظاهر صغير لكنه عند الله عظيم، والعكس.. ومن الفطنة أن يتعلم الصائم فقه مراتب الأعمال ليقدم الأولى فالأولى، فعمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي وحسن الخلق يرفع صاحبه إلى درجة الصائم القائم.
فليس على الدوام قراءة القرآن وصلاة النوافل أعظم أجرا من غيرها، وإنما قد يكون السعي على الأرملة والمسكين، وقضاء حوائج العاجزين، والمسح على رأس اليتيم، وإصلاحك بين المتخاصمين، أعظم أجرا من كثير من قراءة القرآن والنافلة..
جاء في كتاب الزهد لابن المبارك: عن الحسن البصري: أنه دخل على ثابت البناني؛ لينطلق في حاجة لرجل، فقال ثابت: إني معتكف. فقال الحسن: لأن أقضي حاجة أخ لي مسلم أحب إلي من اعتكاف سنة.
فسعيك لتربية أولادك وأهلك وإعالتهم، وكذكلك السهر على المريض منهم، ورعاية المرأة لزوجها، وتنظيف البيت، وإعداد الطعام، وتهيئة المنزل كل هذه عبادات قد تفوق كثيرا من النوافل إذا أحسنت استحضار النيات. وهذا باب واسع ينبغي على المسلم التفقه فيه.
5 ـ الأعمال الموازية
فهناك أعمال لازمة لكنها لا تحتاج إلى تركيز وحضور قلب وعقل، فيمكن الانتفاع بهذا الوقت تسميع القرآن لمن كان حافظا، أو يلهج بالتسبيح والذكر والاستغفار والدعاء وغيرها من عبادات اللسان.
فالمرأة في مطبخها يمكنها تشغيل القرآن لتسمعه وهي تطبخ وتعمل، أو تسمع تسجيلا لدرس علم، أو تشغل لسانها بالذكر، أو القرآن إن كان لها حظ من حفظ كتاب الله.
والمقصد أن هناك من الأعمال الموازية والعبادات ما يمكن القيام به في أوقات المهام اليومية، والأعمال الدورية، والبيتية.
6 ـ الإعراض عن كل ما يتنافى مع هذا الشهر
وخصوصا أن وكلاء إبليس يحشدون كل طاقتهم لشغل الناس في رمضان ، وتضييع أجور صيامهم، بما يعرضونه من الأفلام الجديدة والمسلسلات التي تعد في القنوات بالعشرات، إي والله، في شهر واحد شهر العبادة والطاعة، وكأن مردة الجن لما سلسلها الله قام مردة الإنس ليعوضوا غيابهم وليقوموا بدورهم في إفساد رمضان على الناس، ومنعهم من الاستفادة منه.