عباد الله: لقد وصف الله تعالى المؤمنين حقًا فقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ، وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال:2-4]. هذه هي صفات المؤمنين حقًا، وكلها تدل على تحقق الإيمان ورسوخه في قلوبهم. تأملوا هذه الصفات: وجل القلب عند ذكر الله تعالى، فالقلب الحي يخاف مقام ربه. الزيادة في الإيمان عند سماع آيات الله تعالى، دليل صدق القلب وتحققه بالإيمان. التوكل على الله وحده مع الأخذ بالأسباب. إقامة الصلاة والإنفاق في سبيل الله تعالى، هما برهان الإيمان الصادق، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (والصدقة برهان) أي برهان ودليل على الإيمان. فمن لم يجد في قلبه هذه العلامات فليراجع نفسه وإيمانه، فإن الإيمان لا يُمنح بالهوية ولا يُكتسب بالميراث، بل يُنال باليقين والعمل والصدق.
أيها المسلمون: من الأدواء التي أصيبت بها أمة الإسلام اليو ضعف الإيمان، حتى صار الدين عند كثير من الناس مظهرًا لا جوهر له، وشعارًا لا سلوك معه. كثيرٌ من المسلمين لا يقيمون الصلاة، ولا يؤدون الزكاة، ولا يتحرجون من المعصية، ولا يتحرك في قلوبهم خوفٌ من الله ولا رجاءٌ في رحمته. وغلبت الشهوات على القلوب، وغزت الشبهات العقول، حتى صار المعروف منكرًا والمنكر معروفًا. نسأل الله العافية والسلامة. وإن لضعف الإيمان مظاهر ودلائل في سلوك المسلم وتصرفاته، الجرأة على المعاصي وانتهاك الحرمات، التفريط في الفرائض والواجبات، التكاسل عن العبادات والطاعات، الغفلة عن الله جل وعلا وذكره ودعائه، عدم التأثر بالقرآن وآياته ووعده ووعيده، إلى غيرها من دلائل ضعف الإيمان ومظاهره.
عباد الله: إن ضعف الإيمان سببٌ للذل والهوان، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلّط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم) رواه أبو داود. وتقوية الإيمان في الأمة أفراداً ومجتمعات هو الذي يعيد لها عزتها، ويمنحها ثباتها أمام الفتن والمحن.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أكرمنا بنور الإيمان، وهدانا للإسلام، نحمده سبحانه ونشكره، ونعوذ به من ضعف القلوب وغلبة الأهواء.
أيها المسلمون: أسباب تقوية الإيمان في النفوس، وسبل تحقيقه في القلوب كثيرة، ورحمة الله تعالى واسعة، ومن جاهد نفسه في شيء منها ابتغاء مرضاة الله تعالى؛ أعانه الله ووفقه وحقق له الإيمان واليقين، من أهم سبل تحقيق الإيمان وتمكينه في القلوب: الإكثار من ذكر الله تعالى، فبه تحيا القلوب ويتجدد الإيمان {ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطۡمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ} [الرعد: 28]. تلاوة القرآن بتدبر، لأنه شفاءٌ لما في الصدور، ومن مقاصد إنزاله أن يتدبر ويعمل به لأن ذلك يقوي الإيمان ويدل عليه. المحافظة على الصلاة وأداؤها بخشوع، فهي صلة العبد بربه، والعبد إذا خشعت جوارحه خشع قلبه وصفت نفسه؛ فقوي إيمانه وازداد يقينه. الإكثار من الأعمال الصالحة، فهي غذاءٌ للإيمان تزيده في القلوب وتمكنه. صحبة الصالحين الذين يذكرونك إذا نسيت، ويعينونك إذا تذكرت، ومجانبة أهل الغفلة والتفريط. تذكر الآخرة والموت والقدوم على الله جل وعلا فهو مما يوقظ القلب ويقوي الإيمان.
أيها المؤمنون: الإيمان لا يُحفظ إلا بالعمل، ولا يُقوّى إلا بالطاعة، ولا يُنقذ صاحبه إلا بالثبات على الحق حتى الممات.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
فتاوى الحج
مقالات الحج
تسجيلات الحج
استشارات الحج






