الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        معلومات الكتاب

                        إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

                        الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                        صفحة جزء
                        المسألة الثامنة والعشرون : في عطف بعض أفراد العام عليه

                        إذا ذكر العام وعطف عليه بعض أفراده مما حق العموم أن يتناوله ، كقوله تعالى : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فهل يدل ذكر الخاص على أنه غير مراد باللفظ العام أم لا ؟

                        وقد حكى الروياني في البحر عن والده في كتاب الوصية أنه حكى اختلاف العلماء في هذه المسألة ، فقال بعضهم : هذا المخصوص بالذكر لا يدخل تحت العام ; لأنا لو جعلناه داخلا تحته لم يكن لإفراده بالذكر فائدة .

                        قال الزركشي في البحر : وعلى هذا جرى أبو علي الفارسي ، وتلميذه ابن جني ، وظاهر كلام الشافعي يدل عليه فإنه قال في حديث عائشة في الصلاة الوسطى وصلاة [ ص: 400 ] العصر : إنه يدل على أن الصلاة الوسطى ليست العصر ; لأن العطف يقتضي المغايرة .

                        قال الروياني أيضا : وقال بعضهم هذا المخصوص بالذكر هو داخل تحت العموم ، وفائدته التأكيد ، وكأنه ذكر مرة بالعموم ، ومرة بالخصوص ، وهذا هو الظاهر ، وقد أوضحنا هذا المقام بما لا مزيد عليه في شرحنا للمنتقى .

                        وإذا كان المعطوف خاصا فاختلفوا هل يقتضي تخصيص المعطوف عليه أم لا ، فذهب الجمهور إلى أنه لا يوجبه ، وقالت الحنفية : يوجبه ، وقيل بالوقف .

                        ومثال هذه المسألة قوله صلى الله عليه وآله وسلم : لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده ، فقال الأولون : لا يقتل المسلم بالذمي ، لقوله لا يقتل مؤمن بكافر ، وهو عام في الحربي والذمي ; لأنه نكرة في سياق النفي .

                        وقالت الحنفية بل هو خاص ، والمراد به الكافر الحربي بقرينة عطف الخاص عليه ، وهو قوله : ولا ذو عهد في عهده فيكون التقدير : ولا ذو عهد في عهده بكافر . قالوا : والكافر الذي لا يقتل به ذو العهد هو الحربي فقط بالإجماع ; لأن المعاهد يقتل بالمعاهد ، فيجب أن يكون الكافر الذي لا يقتل به المسلم هو الحربي تسوية بين المعطوف والمعطوف عليه .

                        قال الأولون ، وهذا التقدير ضعيف لوجوه :

                        أحدها : أن العطف لا يقتضي الاشتراك بين المتعاطفين من كل وجه .

                        الثاني : أن قوله ولا ذو عهد في عهده كلام تام فلا يحتاج إلى إضمار قوله " بكافر " ; لأن الإضمار خلاف الأصل ، والمراد حينئذ أن العهد عاصم من القتل ، وقد صرح أبو عبيد في غريب الحديث بذلك ، فقال : إن قوله ولا ذو عهد جملة مستأنفة ، وإنما قيده بقوله في عهده ; لأنه لو اقتصر على قوله ولا ذو عهد [ ص: 401 ] لتوهم أن من وجد منه العهد ، ثم خرج منه لا يقتل ، فلما قال في عهده علمنا اختصاص النهي بحالة العهد .

                        الثالث : أن حمل الكافر المذكور على الحربي لا يحسن ; لأن إهدار دمه معلوم من الدين بالضرورة ، فلا يتوهم أحد قتل مسلم به .

                        وقد أطال أهل الأصول الكلام في هذه المسألة ، وليس هناك ما يقتضي التطويل .

                        وقد قيل : على ما ذهب إليه الأولون ما وجه الارتباط بين الجملتين ، إذ لا يظهر مناسبة لقوله ولا ذو عهد في عهده مطلقا مع قوله لا يقتل مسلم بكافر .

                        وأجاب عن ذلك الشيخ أبو إسحاق المروزي : بأن عداوة الصحابة رضي الله عنهم للكفار كانت شديدة جدا ، فلما قال عليه الصلاة والسلام لا يقتل مسلم بكافر خشي أن يتجرد هذا الكلام فتحملهم العداوة الشديدة بينهم على قتل كل كافر من معاهد وغيره ، فعقبه بقوله ولا ذو عهد في عهده .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية