الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        معلومات الكتاب

                        إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

                        الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                        صفحة جزء
                        المسألة الموفية ثلاثين : في الفرق بين العام المخصوص ، والعام الذي أريد به الخصوص

                        قال الشيخ أبو حامد في تعليقه في كتاب البيع : والفرق بينهما أن الذي أريد به الخصوص ، ما كان المراد أقل ، وما ليس بمراد هو الأكثر .

                        وقال أبو علي بن أبي هريرة : العام المخصوص المراد به هو الأكثر ، وما ليس بمراد هو الأقل ، قال : ويفترقان أن العام الذي أريد به الخصوص لا يصح الاحتجاج بظاهره ، والعام المخصوص يصح الاحتجاج بظاهره اعتبارا بالأكثر .

                        وقال الماوردي في الحاوي : الفرق بينهما من وجهين :

                        أحدهما : أن العام المخصوص ما يكون المراد باللفظ أكثره ، وما ليس المراد باللفظ أقل ، والعام الذي أريد به الخصوص ، ما يكون المراد باللفظ أقل ، وما ليس بمراد باللفظ أكثر .

                        والثاني : أن المراد فيما أريد به الخصوص متقدم على اللفظ ، وفيما أريد به العموم متأخر عن اللفظ أو مقترن به .

                        وقال ابن دقيق العيد في شرح العنوان : يجب أن يتنبه للفرق بين قولنا : هذا عام أريد به الخصوص ، وبين قولنا : هذا عام مخصوص ، فإن الثاني أعم من الأول ، ألا ترى أن المتكلم إذا أراد باللفظ أولا ما دل عليه ظاهر العموم ، ثم أخرج بعد ذلك بعض ما دل عليه اللفظ ، كان عاما مخصوصا ، ولم يكن عاما أريد به الخصوص ، ثم يقال : إنه منسوخ بالنسبة إلى البعض الذي أخرج ، وهذا متوجه إذا قصد العموم ، بخلاف ما إذا نطق بالعام مريدا به بعض ما يتناوله .

                        [ ص: 404 ] قال الزركشي : وفرق بعض الحنابلة بينهما بوجهين آخرين :

                        أحدهما : أن المتكلم إذا أطلق اللفظ العام ، فإن أراد به بعضا معينا ، فهو العام الذي أريد به الخصوص ، وإن أراد سلب الحكم عن بعض منه ، فهو العام المخصوص .

                        مثاله : قام الناس ، فإذا أردت إثبات القيام لزيد مثلا لا غير ، فهو عام أريد به الخصوص ، وإن أردت به سلب القيام عن زيد فهو عام مخصوص .

                        والثاني : أن العام الذي أريد به الخصوص إنما يحتاج إلى دليل معنوي يمنع إرادة الجميع فيتعين له البعض ، والعام المخصوص يحتاج إلى تخصيص اللفظ غالبا ، كالشرط ، والاستثناء ، والغاية .

                        قال : وفرق بعض المتأخرين بأن العام الذي أريد به الخصوص : هو أن يطلق العام ، ويراد به بعض ما يتناوله ، وهو مجاز قطعا ; لأنه استعمال اللفظ في بعض مدلوله ، وبعض الشيء غيره ، قال : وشرط الإرادة في هذا أن تكون مقارنة لأول اللفظ ، ولا يكفي طردها في أثنائه ; لأن المقصود منها نقل اللفظ عن معناه إلى غيره ، واستعماله في غير موضعه ، وليست الإرادة فيه إخراجا لبعض المدلول ، بل إرادة استعمال اللفظ في شيء آخر غير موضعه ، كما يراد باللفظ مجازه .

                        وأما العام المخصوص ، فهو العام الذي أريد به معناه مخرجا منه بعض أفراده فلا يشترط مقارنتها لأول اللفظ ، ولا تأخرها عنه ، بل يكفي كونها في أثنائه كالمشيئة في الطلاق .

                        وهذا موضع خلافهم في أن العام المخصوص مجاز أو حقيقة .

                        ومنشأ التردد : أن إرادة إخراج بعض المدلول هل يصير اللفظ مرادا به الباقي أو لا ؟ .

                        وهو يقوي كونه حقيقة ، لكن الجمهور على المجاز ، والنية فيه مؤثرة في نقل اللفظ عن معناه إلى غيره .

                        وقال علي بن عيسى النحوي : إذا أتى بصورة العموم ، والمراد به الخصوص ، فهو مجاز إلا في بعض المواضع ، إذا صار الأظهر الخصوص ، كقولهم : غسلت ثيابي ، وصرمت نخلي ، وجاءت بنو تميم ، وجاءت الأزد . انتهى .

                        [ ص: 405 ] قال الزركشي : وظن بعضهم أن الكلام في الفرق بينهما مما أثاره المتأخرون ، وليس كذلك ، فقد وقعت التفرقة بينهما في كلام الشافعي ، وجماعة من أصحابنا في قوله تعالى : وأحل الله البيع هل هو عام مخصوص أو عام أريد به الخصوص ؟ انتهى .

                        ولا يخفاك أن العام الذي أريد به الخصوص هو ما كان مصحوبا بالقرينة عن التكلم به على إرادة المتكلم به بعض ما يتناوله بعمومه ، وهذا لا شك في كونه مجازا لا حقيقة ; لأنه استعمال اللفظ في بعض ما وضع له سواء كان المراد منه أكثره أو أقله ، فإنه لا مدخل للتفرقة بما قيل من إرادة الأقل في العام الذي أريد به الخصوص ، وإرادة الأكثر في العام المخصوص .

                        وبهذا يظهر لك أن العام الذي أريد به الخصوص مجاز على كل تقدير ، وأما العام المخصوص فهو الذي لا تقوم قرينة عند تكلم المتكلم به ، على أنه أراد بعض أفراده ، فيبقى متناولا لأفراده على العموم ، وهو عند هذا التناول حقيقة فإذا جاء المتكلم بما يدل على إخراج البعض منه ، كان على الخلاف المتقدم هل هو حقيقة في الباقي أم مجاز ؟

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية