المسألة الثانية  
أن حصول الشرط الشرعي ليس شرطا في التكليف ، عند أكثر الشافعية والعراقيين من الحنفية .  
وقال جماعة منهم  الرازي  وأبو حامد  وأبو زيد  والسرخسي  هو شرط .  
وهذه المسألة ليست على عمومها ، إذ لا خلاف في أن مثل الجنب والمحدث مأموران بالصلاة ، بل هي مفروضة في جزأين منها ، وهو أن  الكفار مخاطبون بالشرائع   ، أي بفروع العبادات عملا عند الأولين لا عند الآخرين .  
وقال قوم من الآخرين : هم مكلفون بالنواهي لأنها أليق بالعقوبات الزاجرة ، دون      [ ص: 62 ] الأوامر .  
والحق ما ذهب إليه الأولون ، وبه قال الجمهور .  
ولا خلاف في أنهم مخاطبون بأمر الإيمان ; لأنه مبعوث إلى الكافة ، وبالمعاملات أيضا ، والمراد بكونهم مخاطبين بفروع العبادات أنهم مؤاخذون بها في الآخرة ، مع عدم حصول الشرط الشرعي ، وهو الإيمان .  
استدل الأولون بالأوامر العامة ، كقوله :  يا أيها الناس اعبدوا ربكم   ونحوها ، وهم من جملة الناس .  
واستدلوا أيضا بما ورد من الوعيد للكفار على الترك كقوله  ما سلككم في سقر   قالوا لم نك من المصلين   لا يقال : قولهم ليس بحجة لجواز كذبهم ; لأنا نقول : لو كذبوا لكذبوا .  
واستدلوا أيضا بقوله سبحانه :  وويل للمشركين   الذين لا يؤتون الزكاة    [ ص: 63 ] وقوله  ومن يفعل ذلك يلق أثاما   يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا      .  
والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا .  
واستدل الآخرون بأنهم : لو كلفوا بها لصحت ; لأن الصحة موافقة الأمر ، ولأمكن الامتثال ; لأن الإمكان شرط ، ولا يصح منهم ; لأن الكفر مانع ، ولا يمكن الامتثال حال الكفر ; لوجود المانع ، ولا بعده وهو حال الموت ; لسقوط الخطاب .  
وأجيب : بأنه غير محل النزاع ; لأن حالة الكفر ليست قيدا للفعل في مرادهم بالتكليف به مسبوقا للإيمان ، والكافر يتمكن من أن يسلم ويفعل ما وجب عليه كالجنب والمحدث ، فإنهما مأموران بالصلاة مع تلبسهما بمانع عنها يجب عليهما إزالته ; لتصح منهما ، والامتناع الوصفي لا ينافي الإمكان الذاتي .  
واستدلوا أيضا : بأنه لو وقع التكليف للكفار لوجب عليهم القضاء . وأجيب بمنع الملازمة ; لأنه لم يكن بينه وبين وقوع التكليف وصحته ربط عقلي ، لا سيما على قول من يقول إن القضاء لا يجب إلا بأمر جديد ، وأيضا قوله سبحانه :  إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف   دليل على عدم وجوب القضاء .  
واحتج القائلون بالتفصيل : بأن النهي هو ترك المنهي عن فعله ، وهو ممكن مع الكفر .  
وأجيب : بأن الكفر مانع من الترك كالفعل ; لأنها عبادة يثاب العبد عليها ، ولا تصح إلا بعد الإيمان ، وأيضا المكلف به في النهي هو الكف وهو فعل .  
				
						
						
