ذكر ما يكون جرحا مما إذا شهدوا به عليه وجب إسقاط شهادته به
كان يقول : وإذا شهد الشهود على رجل بشهادة فعدلوا ، أينبغي للقاضي أن يسميهم وما شهدوا به على المشهود عليه ، ويمكنه من جرحهم وإن جاء بجرحتهم قبلها ، وإن لم يأت بها أمضى عليه الحق ، ويقبل في جرحتهم أن يكونوا له مهاجرين في الحال التي شهدوا بها عليه ، وإن كانوا عدولا . وينبغي له أن يقف الشهود على جرحتهم ، ولا يقبل منهم الجرحة إلا بأن يبينوا ما (يجرح) مما يراه هو جرحا ، فإن من الشهود من يجرح بالتأويل وبالأمر الذي لا يجرح بمثله ، فلا يقبل الجرح حتى يثبتوا ما يراه هو جرحا ، كان الجارح من شاء أن يكون في فقه أو فضل . الشافعي
وقال أبو عبيد : ولا أراه جرحا حتى يخبر بالأمر الذي تسقط به شهادته من أجله فيرى الحاكم فيه رأيه . وكان عبيد الله بن الحسن يقول : إذا شهد [عنده] شهود على رجل بأمر ، فقال المشهود عليه : عندي من جرحهم . فقال : جيء بهم علانية فإذا فعلوا ذلك علانية ، وكانوا عدولا قبل ذلك منهم ، ولم يقبل منهم سرا .
وقال : وإن ادعى المشهود عليه أنهم شهود زور ، وقال : أنا أجرحهم ، وأقيم البينة أنهم استؤجروا ، وأنهم فساق ، فإن الشافعي النعمان [ ص: 343 ] قال : لا أقبل الجرح على مثل هذا ، وبه [يأخذ] . وكان يقبله ، وأما غير ذلك من محدود في قذف أو شريك أو عبد ، فهما يقبلان في هذا الجرح جميعا . ابن أبي ليلى
قال : وحفظي عن الشافعي أبي يوسف أنه قال بعد : يقبل الجرح إذا شهد من أعرفه وأثق به .
وكان سوار إذا شهد عنده رجل بشهادة فجاء الخصم بقوم فشهدوا أنهم رأوه سكران سألهم كيف رأيتموه؟ فقالوا : رأيناه يميد . فقال سوار : قد [يميد] الرجل من وجع . فقال : رأيناه يمر حتى يصير إلى هذا الحائط ، ويرجع حتى يصير إلى هذا الحائط الآخر . فقال : قد يفعل هذا من دوار . فقالوا : رأيناه يجر وانتهى الأمر إلى هذا .
وحكى ابن نافع أن مالكا سئل عن الشهود إذا شهدوا عند القاضي وعدلوا يقول للذي شهدوا عليه : دونك فاجرح؟ فقال : إن فيه لتوهينا للشهادة ، وما أرى إذا كان عدلا أو عدل عنده أن يفعل .
قال : بل يمكن منه المشهود عليه ، ولا يجوز منعه من ذلك; لأن من عدله قد يعدله على الظاهر ، ويكون الجرح خفي فلا يمنع أن يجرحه بما يجب أن يجرح مثله ، وقد يكون الرجل عدلا سويا ، ويكون بينه وبين المشهود عليه عداوة تخفى على كثير من الناس ، [ ص: 344 ] ويعلم ذلك أهل الخاصة ، وقد يكون عدلا في الظاهر ، وغير عدل عند من يجرحه من جيرانه وخاصته وأهل الخبرة به ، ولا يجوز منع الخصم من ذلك بوجه . أبو بكر
وكان يقول : وأحب إلي أن لا يقبل القاضي شهادة الشاهد إلا بمحضر من الخصم المشهود عليه ، فإن قبلها بغير محضر منه فلا بأس ، وينبغي أن يقرأها عليه ليعرف حجته فيها ، وحجته إن كان عنده ما يجرحهم به . الشافعي