كتاب أحكام الأباق 
جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :  "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"  . 
 8694  - حدثنا محمد بن مهل  ، قال : حدثنا  عبد الرزاق  ، قال : أخبرنا  معمر  ، عن  محمد بن واسع  ، عن أبي صالح  ، عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا كشف الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، والله في عون العبد ما كان العبد في حاجة أخيه"   . 
قال  أبو بكر   : فمن [معونة] الرجل أخاه المسلم : حفظه عليه [عبيده الأباق] ، وما خاف أن يضيع من سائر أمواله ، لأن يؤديه إلى صاحبه ،  [ ص: 446 ] وإذا فعل ذلك فهو محسن غير متعد ولا خائن ، وذلك من جملة ما شرطه النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه حيث بايعوه ، النصيحة لكل مسلم . 
 8695  - حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب  ، قال : أخبرنا  جعفر بن عون  ، قال : حدثنا مسعر  ، عن  زياد بن علاقة  ، قال : سمعت جريرا  يقول : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأبايعه فاشترط علي النصح لكل مسلم ، وإني لكم لناصح   . 
قال  أبو بكر   : فمن نصيحة المرء لأخيه المسلم حفظه ماله ، وحياطته حتى يؤديه إلى صاحبه  ، وإذا كان ذلك واجبا ، فغير جائز أن يأخذ على ملك عليه جعلا يلزمه صاحب المال . 
وقد اختلف في هذا الباب . 
فقالت طائفة : إذا أخذ الرجل عبدا آبقا فلا شيء له فيه كان الآخذ ممن يعرف بأخذ الأباق أو لم يكن معروفا بذلك   . كان  النخعي  يقول : المسلم يرد على المسلم . وقال  مالك   : الذي يأخذ الآبق لا أرى له شيئا إلا ما أنفق عليه من ركوب أو غيره . [وقد] كان  مالك  يفرق بين الذي يعرف بأخذ الأباق وبين من لا يعرف بذلك . وقال  الشافعي   : ولا جعل لمن جاء بالآبق ولا الضالة إلا أن يجعل له ، وسواء من  [ ص: 447 ] عرف بطلب الضوال ومن لا يعرف به . وقال  الحسن بن صالح  في الآبق يأخذه الرجل في المصر أو خارجا من المصر قال [المسلم] يرد على المسلم ، وليس له جعل إلا أن يستأجره بطلب له   . وحكي هذا القول عن  النخعي  والحكم  ، وسئل أحمد  عن جعل الآبق في المصر وخارجا من المصر قال : لا أدري ، شيء قد تكلم الناس ولم يكن عنده حديث صحيح . 
وقالت طائفة : يعطى في كل رأس أربعين درهما . روي هذا القول عن  عبد الله بن مسعود   . وقال أبو إسحاق   : أعطيت الجعل في زمن معاوية  أربعين درهما . 
 8696  - حدثنا  علي بن الحسن  ، قال : حدثنا عبد الله بن الوليد العدني  ، عن سفيان  ، عن أبي رباح   . وحدثنا  علي بن عبد العزيز  ، حدثنا أبو نعيم  ، قال : حدثنا سفيان  ، عن أبي رباح  ، عن  أبي عمرو الشيباني  ، قال : أصبت غلمانا أباقا بالغين ، فأتيت  عبد الله بن مسعود  فذكرت ذلك له فقال : الأجر والغنيمة . قال : قلت هذا الأجر ، فما الغنيمة ؟ قال : أربعون درهما من كل رأس   . واللفظ للعدني   . 
 8697  - حدثنا موسى  ، قال : حدثنا  أبو بكر بن أبي شيبة  ، قال : حدثنا  وكيع  ، قال حدثنا سفيان  ، عن أبي إسحاق  ، قال : أعطيت الجعل في زمن معاوية  أربعين درهما   .  [ ص: 448 ] 
وفيه قول ثالث : وهو أن يعطى إذا أخذ في المصر عشرة دراهم ، وإذا أخذ خارجا فأربعين  . هذا قول شريح  ، وروي هذا القول عن  الشعبي  قال : يقضي القضاة بذلك . 
وقال  إسحاق بن راهويه   : السنة في ذلك ما قال  ابن مسعود   : إذا كان خارجا من المصر فأربعون ، وفي المصر عشرة . 
وفيه قول رابع عن  عمر بن الخطاب   : أنه جعل في جعل الآبق عشرة دراهم أو دينارا  ، وروينا ذلك عن علي   . 
 8698  - حدثنا موسى  ، عن محمد بن يزيد  ، عن أيوب أبي العلاء  ، عن  قتادة  وأبي هاشم  أن عمر  جعل في الآبق أربعين درهما  إذا أصيب في غير مصر ، فإذا أصيب في المصر فعشرين درهما أو عشرة  . 
 8699  - حدثنا موسى  ، حدثنا  أبو بكر بن أبي شيبة  ، حدثنا زيد بن هارون  ، عن حجاج  ، عن  عمرو بن شعيب  ، عن  سعيد بن المسيب  ، أن عمر جعل في الآبق دينارا ، أو اثني عشر درهما   . 
 8700  - حدثنا موسى  ، قال : حدثنا  أبو بكر  ، حدثنا يزيد  ، عن حجاج  ، عن حصين  عن  الشعبي  ، عن الحارث  ، عن علي  مثله .  [ ص: 449 ] 
وذكر  ابن أبي مليكة   وعمرو بن دينار  أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في العبد الآبق إذا جيء [به] خارجا من الحرم دينارا   . 
وفيه قول خامس : وهو أنه إذا وجد على مسيرة ثلاث ، ثلاثة دنانير . 
هذا قول  عمر بن عبد العزيز   . 
وفيه قول سادس : قاله أصحاب الرأي ، قالوا : إذا أخذه خارجا من المصر أو في المصر فإنا نستحسن أن يجعل له على قدر المكان الذي أخذه فيه ، إلا أن يكون أخذه على مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا ، فإذا كان كذلك جعلنا له أربعين درهما كلها . 
وقد كان  الأوزاعي  يقول في جعل الآبق   : كانت قضاتنا يقضون به ، وقضى به شريح   . وأن يرده على أخيه أحب إلي ، الوليد بن مسلم  عنه . 
وحكى عنه الوليد بن يزيد  أنه قال كذلك ، وقال : أحب إلي أن يرده الرجل على أخيه المسلم . 
وقد روينا عن  [عبد الله] بن عتبة  غير ذلك . 
 8701  - قال مسعر  ، عن عبد الكريم   : لقيت عبد الله بن عتبة  فقلت : أيجتعل في العبد  ؟ قال : نعم  . 
وكان  مالك  يقول في ذلك قولا سابعا ، قال  مالك   : [أما من كان ذلك  [ ص: 450 ] شأنه ، وهو عمله ، فأرى أن يجعل له . قال مالك] : وعندنا قوم هذا شأنهم ، وفي هذا منافع للناس ، فأما من لم يكن ذلك شأنه وإنما وجده فأخذه فإنما له فيه نفقته ولا جعل له . 
وروينا عن  النخعي  أنه قال : لا بأس بجعل الآبق   . 
وحكي عن عبيد الله بن الحسن  أنه قال : في جعل الآبق أخير عن التوقيت ولا أرد فيه الأثر عن  ابن مسعود   . وكان  مالك   والشافعي  يقولان : إذا قال : من جاء بعبدي الآبق فله دينار فجاء به أن الدينار لازم له . وقال مالك : ولو قال : من جاء بغلامي فله دينار ، ثم بدا له بعد ذلك فقال : اشهدوا أني قد رجعت في الجعل . قال : ليس ذلك له ، ولو كان ذلك له كان الرجل يخرج فإذا أخذ العبد ثم سمع به سيده رجع ، فليس له ذلك . 
قال  أبو بكر   : له أن يرجع ما لم يؤخذ العبد ، فإن أخذ العبد وجيء به لزمه الدينار . وكان  الشافعي  يقول : ولو قال الرجل : إن جئتني بعبدي فلك كذا ولآخر مثل ذلك ولثالث مثل ذلك فجاؤوا به جميعا ، فلكل واحد ثلث ما جعل له ، اتفقت الأجعال أم اختلفت .  [ ص: 451 ] 
قال  أبو بكر   : إذا أخذ الرجل عبدا آبقا فجاء به إلى مولاه وجب عليه تسليمه إليه ، وليس له أن يلزمه جعلا لم يكن جعله له على أخذه ، وذلك أنه متطوع بأخذه غير مأمور بأن يفعل ذلك ، وإلزام رب العبد ذلك إلزام فرض ، والفرض لا يجوز إيجابه إلا بحجة من كتاب أو سنة أو إجماع . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					