قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين
فيه ثلاث مسائل :
الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=28980قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112التائبون العابدون التائبون هم الراجعون عن الحالة المذمومة في معصية الله إلى الحالة المحمودة في طاعة الله .
nindex.php?page=treesubj&link=19704والتائب هو الراجع . والراجع إلى الطاعة هو أفضل من الراجع عن المعصية لجمعه بين الأمرين . " العابدون " أي المطيعون الذين قصدوا بطاعتهم الله سبحانه . " الحامدون " أي الراضون بقضائه المصرفون نعمته في طاعته ، الذين يحمدون الله على كل حال . السائحون الصائمون ; عن
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وغيرهما .
[ ص: 189 ] ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=5عابدات سائحات . وقال
سفيان بن عيينة : إنما قيل للصائم سائح لأنه يترك اللذات كلها من المطعم والمشرب والمنكح . وقال
أبو طالب :
وبالسائحين لا يذوقون قطرة لربهم والذاكرات العوامل
وقال آخر :
برا يصلي ليله ونهاره يظل كثير الذكر لله سائحا
وروي عن
عائشة أنها قالت : سياحة هذه الأمة الصيام ; أسنده
الطبري . ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
سياحة أمتي الصيام . قال
الزجاج : ومذهب
الحسن أنهم الذين يصومون الفرض . وقد قيل : إنهم الذين يديمون الصيام . وقال
عطاء : السائحون المجاهدون . وروى
أبو أمامة أن رجلا استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السياحة فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836517إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله . صححه
أبو محمد عبد الحق . وقيل : السائحون المهاجرون قاله
عبد الرحمن بن زيد . وقيل : هم الذين يسافرون لطلب الحديث والعلم ; قاله
عكرمة . وقيل : هم الجائلون بأفكارهم في توحيد ربهم وملكوته وما خلق من العبر والعلامات الدالة على توحيده وتعظيمه حكاه
النقاش وحكي أن بعض العباد أخذ القدح ليتوضأ لصلاة الليل فأدخل أصبعه في أذن القدح وقعد يتفكر حتى طلع الفجر فقيل له في ذلك فقال : أدخلت أصبعي في أذن القدح فتذكرت قول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=71إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل وذكرت كيف أتلقى الغل وبقيت ليلي في ذلك أجمع .
قلت : لفظ " س ي ح " يدل على صحة هذه الأقوال فإن السياحة أصلها الذهاب على وجه الأرض كما يسيح الماء ; فالصائم مستمر على الطاعة في ترك ما يتركه من الطعام وغيره فهو بمنزلة السائح . والمتفكرون تجول قلوبهم فيما ذكروا . وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836518إن لله ملائكة سياحين مشائين في الآفاق يبلغونني صلاة أمتي ويروى صياحين بالصاد ، من الصياح .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112الراكعون الساجدون يعني في الصلاة المكتوبة وغيرها .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112الآمرون بالمعروف أي
[ ص: 190 ] بالسنة ، وقيل : بالإيمان .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112والناهون عن المنكر قيل : عن البدعة . وقيل : عن الكفر . وقيل : هو عموم في كل معروف ومنكر .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112والحافظون لحدود الله أي القائمون بما أمر به والمنتهون عما نهى عنه .
الثانية : واختلف أهل التأويل في هذه الآية هل هي متصلة بما قبل أو منفصلة فقال جماعة : الآية الأولى مستقلة بنفسها يقع تحت تلك المبايعة كل موحد قاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا وإن لم يتصف بهذه الصفات في هذه الآية الثانية أو بأكثرها . وقالت فرقة : هذه الأوصاف جاءت على جهة الشرط ، والآيتان مرتبطتان ؛ فلا يدخل تحت المبايعة إلا المؤمنون الذين هم على هذه الأوصاف ويبذلون أنفسهم في سبيل الله ؛ قاله
الضحاك . قال
ابن عطية : وهذا القول تحريج وتضييق ومعنى الآية على ما تقتضيه أقوال العلماء والشرع أنها أوصاف الكملة من المؤمنين ذكرها الله ليستبق إليها أهل التوحيد حتى يكونوا في أعلى مرتبة . وقال
الزجاج : الذي عندي أن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112التائبون العابدون رفع بالابتداء وخبره مضمر ; أي التائبون العابدون - إلى آخر الآية - لهم الجنة أيضا وإن لم يجاهدوا إذ لم يكن منهم عناد وقصد إلى ترك الجهاد لأن بعض المسلمين يجزي عن بعض في الجهاد . واختار هذا القول
القشيري وقال : وهذا حسن إذ لو كان صفة للمؤمنين المذكورين في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111اشترى من المؤمنين لكان الوعد خاصا للمجاهدين . وفي مصحف
عبد الله " التائبين العابدين " إلى آخرها ; ولذلك وجهان : أحدهما الصفة للمؤمنين على الإتباع . والثاني النصب على المدح .
الثالثة : واختلف العلماء في الواو في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112والناهون عن المنكر فقيل : دخلت في صفة الناهين كما دخلت في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=1حم . تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم . غافر الذنب . وقابل التوب فذكر بعضها بالواو والبعض بغيرها . وهذا سائغ معتاد في الكلام ولا يطلب لمثله حكمة ولا علة . وقيل : دخلت لمصاحبة الناهي عن المنكر الآمر بالمعروف فلا يكاد يذكر واحد منهما مفردا . وكذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=5ثيبات وأبكارا . ودخلت في قوله : والحافظون لقربه من المعطوف . وقد قيل : إنها زائدة ، وهذا ضعيف لا معنى له . وقيل : هي واو الثمانية لأن السبعة عند العرب عدد كامل صحيح . وكذلك قالوا في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=5ثيبات وأبكارا . وقوله في أبواب الجنة :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73وفتحت أبوابها وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم [ ص: 191 ] وقد ذكرها
ابن خالويه في مناظرته
nindex.php?page=showalam&ids=12095لأبي علي الفارسي في معنى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73وفتحت أبوابها وأنكرها
أبو علي . قال
ابن عطية : وحدثني أبي رضي الله عنه عن الأستاذ النحوي
أبي عبد الله الكفيف المالقي ، وكان ممن استوطن
غرناطة وأقرأ فيها في مدة
ابن حبوس أنه قال : هي لغة فصيحة لبعض العرب من شأنهم أن يقولوا إذا عدوا : واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة وثمانية تسعة عشرة وهكذا هي لغتهم . ومتى جاء في كلامهم أمر ثمانية أدخلوا الواو . قلت : هي لغة
قريش . وسيأتي بيانه ونقضه في سورة ( الكهف ) إن شاء الله تعالى وفي ( الزمر ) أيضا بحول الله تعالى .