ولما حظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روينا عنه من هذا لبس الثوب الذي قد مسه الورس أو الزعفران للورس أو للزعفران الذي قد مسه ، كان التطيب بالورس أو بالزعفران أشد حظرا ، وهكذا يقول أهل العلم جميعا في هذا ، لا يختلفون فيه ، غير أن طائفة منهم قد كانت تقول في الثوب إذا مسه الورس أو الزعفران فهو مكروه لبسه .
[ ص: 50 ] للمحرم وإن كان قد غسل ، وخالفهم في ذلك أكثر العلماء ، فقالوا : إذا كان قد غسل من الورس أو من الزعفران الذي كان فيه حتى صار لا ينقص ما كان فيه منهما ، فقد عاد إلى حكمه الذي كان عليه قبل أن يصبغ به . واحتجوا في ذلك بما :
1219 - قد حدثنا فهد ، قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، قال حدثنا أبو معاوية ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل الحديث الأول الذي ذكرنا في أول هذا الفصل وزاد : إلا أن يكون غسيلا .
1220 - حدثنا ابن أبي عمران ، قال حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي الكوفي ، قال حدثنا أبو معاوية ، فذكر بإسناده مثله ، .
قال لنا ابن أبي عمران : رأيت يحيى بن معين ، وهو يتعجب من الحماني إذ يحدث بهذا الحديث يريد فيه على الناس هذا الاستثناء الذي فيه ، فقال له عبد الرحمن بن صالح : هذا عندي عن أبي معاوية كما يحدث به الحماني عن أبي معاوية ، ثم وثب من فوره ، فجاء بأصله ، فحدثنا منه ، عن أبي معاوية ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، على ما كان يحدث به الحماني عن أبي معاوية ، وكتبه يحيى بن معين عنه .
فلما كان هذا الحديث هذا الاستثناء ثبت بذلك أن نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم المحرم عن لبس الثوب الذي قد مسه الورس والزعفران إنما هو للورس أو الزعفران ، لا للثوب في عينه . فإذا أزالا عن الثوب فصار خاليا منهما ، زال عنه النهي الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعاد إلى ما كان عليه قبل ذلك من الإباحة ، وهكذا كان أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد يقولونه في هذا فيما حدثنا سليمان ، عن أبيه ، عن محمد ، عن أبي يوسف ، وعن أبي حنيفة ، وعن أبيه ، عن محمد وقد روي ذلك أيضا عن سعيد بن المسيب ، وطاوس ، وإبراهيم .
1221 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا وهب بن جرير ، قال حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن المسيب ، أنه أتاه رجل ، فقال : إني أريد .
(أن) أحرم ، وليس لي إلا هذا الثوب ، ثوب مصبوغ بزعفران . قال : آلله ما تجد غيره ؟ فحلف .
[ ص: 51 ] قال : اغسله وأحرم فيه .
1222 - وحدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا أبو عامر ، عن سفيان ، عن ليث ، عن طاووس ، قال : إذا كان في الثوب زعفران أو ورس فغسل ، فلا بأس أن يحرم فيه .
1223 - وحدثنا إبراهيم ، قال حدثنا أبو عامر ، عن سفيان ، عن المغيرة ، عن إبراهيم مثله .
وقد روي عن مالك في هذا المعنى نحو من هذا القول . حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، قال : سئل مالك عن ثوب مسه طيب ، ثم ذهب ريح الطيب منه ، هل يحرم فيه ؟ قال نعم ، لا بأس بذلك ما لم يكن فيه صباغ ورس أو زعفران .


