إن الصفا والمروة من شعائر الله ) الآية . تأويل قوله تعالى : (
قال الله عز وجل : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ) وهذا مما قد اختلف في قراءته ، فقرأ قوم كما تلونا وقرأه قوم : فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما فمن قرأه : ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) . وسنذكر ذلك عنها بأسانيده في [ ص: 94 ] هذا الباب إن شاء الله . عائشة
وممن قرأه : فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ، كما قد حدثنا . ابن عباس
1301 - ، قال حدثنا يوسف بن يزيد حجاج بن إبراهيم ، قال حدثنا ، عن عيسى بن يونس ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، ابن عباس أنه كان يقرأ : " إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما " :
وقد روي عن هذا أيضا كما : أنس
1302 - حدثنا أحمد بن داود ، قال حدثنا قال حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب ، ، عن سفيان بن عيينة قال ، عاصم بن سليمان ( أنس فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) قال : ألا يطوف بهما . أنس
وقد روي عنه خلاف هذا مما توافق القراءة الأولى ، وسنذكر ذلك بأسانيده في هذا الباب إن شاء الله . قرأت عند
وقد يجوز أن يرجع معنى هاتين القراءتين جميعا إلى معنى واحد ، لأن العرب قد تصل بلا كما قال عز وجل : ( لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة ) وكما قال عز وجل : ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) ، وكما قال عز وجل : ( فلا أقسم برب المشارق والمغارب ) ، في معنى أقسم بيوم القيامة ، وأقسم بالنفس اللوامة ، وأقسم بمواقع النجوم ، وأقسم برب المشارق والمغارب .
وكان سبب نزول هذه الاية في ما روي عن ما : عائشة
1303 - قد حدثنا يونس ، قال حدثنا ، أن ابن وهب ، حدثه ، عن مالكا ، عن أبيه ، قال : هشام بن عروة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، وانا يومئذ حديث [ ص: 95 ] السن : أرأيت قول الله عز وجل : ( لعائشة إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) ، فما نرى على أحد شيئا أن لا يطوف بهما ؟ قالت : كلا ، لو كانت كما تقول كانت : فلا جناح أن لا يطوف بهما ، إنما أنزلت في الأنصار ، كانوا يهلون لمناة ، وكانت مناة حذو قديد ، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين عائشة الصفا والمروة .
فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فأنزل الله عز وجل : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) . قلت
1304 - وحدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج ، قال حدثنا ، عن حماد بن سلمة ، عن أبيه ، عن هشام بن عروة ، عائشة الصفا والمروة ، فأنزل الله عز وجل : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) قال عروة : أما أنا فلا أبالي أن لا أطوف بين الصفا والمروة قالت : لم يا ابن أختي ؟ قال : لأن الله عز وجل يقول : ( عائشة فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) فقالت : لو كان كما تقول لكانت : فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما . عائشة
قالت : ولعمري ما تمت حجة أحد ، ولا عمرته لم يطف بين عائشة الصفا والمروة أن مناة كانت على ساحل البحر وحولها الفروث والدماء ، يذبح لها المشركون ، فقال الأنصار : يا رسول الله ، إنا كنا إذا أحرمنا في الجاهلية لم يحل لنا في ديننا أن نطوف بين .
فزاد حديث حماد هذا عن على حديث هشام ، عن مالك الذي ذكرناه قبله في هذا الباب ، قول هشام : ما تمت حجة أحد ، ولا عمرته ، لم يطف بين عائشة الصفا والمروة .
[ ص: 96 ] وذلك مما لا يكون مأخوذا من جهة الرأي ، وإنما يؤخذ من جهة التوقيف فقول هذا دليل على وقوفها على وجوب الطواف بين عائشة الصفا والمروة في الحج والعمرة جميعا .
وأما قولها لعروة : " لو كانت كما تقول لكانت : فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما فذلك عندنا قد يحتمل أن لو كانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما أن يكون ذلك على معنى الصلة التي يرجع بها المعنى إلى قوله ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) .
وقد روى هذا الحديث عن الزهري بزيادة معنى على عروة وبمعنى ذكره فيه عن هشام ، كما : أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام
1305 - قد حدثنا فهد ، قال حدثنا ، قال : حدثني عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث عبد الرحمن بن خالد بن مسافر ، قال قال محمد بن شهاب ، سألت عروة : زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت لها : أرأيت قول الله عز وجل : ( عائشة إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) ؟ قال : فقلت والله ما على أحد جناح أن لا يطوف بين لعائشة : الصفا والمروة فقالت : بئس ما قلت يا ابن أختي! إن هذه الآية لو كانت على ما أولتها عليه ، كانت : فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما وإنها إنما أنزلت في أن الأنصار قبل أن يسلموا كانوا يهلون هم وغسان لمناة الطاغية التي كانوا يعبدون عند المشلل ، وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بين الصفا والمروة ، فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، قالوا : يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نتطوف بين الصفا والمروة حتى أنزل الله عز وجل : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) قالت : ثم قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما ، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما : عائشة قال
قال : وأخبرت ابن شهاب بالذي حدثني أبا بكر بن عبد الرحمن من ذلك عن عروة ، فقال عائشة أبو بكر : إن هذا لعلما ما كنت سمعته . ولقد سمعت رجالا من أهل العلم [ ص: 97 ] يزعمون أن الناس ، إلا من ذكرت ممن كان يهل لمناة الطاغية ، كانوا يطوفون كلهم بين عائشة الصفا والمروة .
فلما ذكر الله عز وجل أن الطواف بالبيت ، ولم يذكر الطواف بالصفا والمروة ، قالوا : هل علينا يا رسول الله حرج في أن نطوف بالصفا والمروة ؟ فأنزل الله عز وجل : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) .
قال أبو بكر : فأسمع هذه الآية أنزلت في الفريقين كليهما ، في الذين كانوا يتحرجون في الجاهلية أن يطوفوا بين الصفا والمروة ، والذين كانوا يطوفون في الجاهلية بين الصفا والمروة ، ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام من أجل أن الله عز وجل أمر بالطواف بالبيت ، ولم يذكر الصفا والمروة مع الطواف بالبيت حين ذكره .
1306 - وكما حدثنا نصر بن مرزوق ، ، قالا : حدثنا وابن أبي داود ، قال : حدثني عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث عقيل ، عن ، فذكر بإسناده مثله . ابن شهاب
غير أنه لم يذكر غسان في حديثه أصلا .
ففي هذا الحديث أن الصفا والمروة . فدل ذلك على أن الطواف بينهما قد سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن ما في كتاب الله من قوله : ( رسول الله صلى الله عليه وسلم سن الطواف بين إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) إنما هو على إباحة الطواف بينهما ، وأن المعنى الذي كانوا يتحرجون من الطواف بينهما من أجله ، لا يمنعهم من الطواف بينهما ، ثم سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما ، فصار الطواف بينهما من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ليس لأحد التخلف عنها مع ما قد تقدم من الله فيهما أن جعلهما من شعائره ، والشعائر هي العلامات التي جعلها الله عز وجل علامات لما دعا إليه ، والواحدة [ ص: 98 ] منها شعيرة ، وقد قال عز وجل : ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) .