واختلف أهل العلم في الوقت الذي يكون غير حاضري المسجد الحرام متمتعا بإحرامه فيه بعمرة وبحجة في عامه ذلك قبل رجوعه إلى أهله .
فقال بعضهم : إذا أحرم بها في شوال ، أو في ذي القعدة ، أو في العشر الأول من ذي الحجة ، وقضاها ، ثم حج من عامه ذلك ، كان متمتعا قالوا : وكذلك لو أحرم بها قبل هذه الأشهر التي ذكرنا ، ثم طاف أكثر طوافها في هذه الأشهر التي وصفنا ، ثم حج من عامه ذلك ، ولم يرجع إلى أهله ، كان متمتعا .
قالوا : وإن كان طاف قبل هذه الأشهر أكثر طواف العمرة ، ثم طاف بقية طوافها في هذه الأشهر ، ثم حج من عامه ذلك ، ولم يرجع إلى أهله ، لم يكن بذلك متمتعا وممن قال ذلك منهم ، أبو حنيفة ، وأبو يوسف ومحمد وكان الذي راعوه من ذلك هو الأكثر من طواف العمرة ، وإن كان ذلك سنة في أشهر الحج اللاتي ذكرنا ، ثم حج من عامه ذلك ، ولم يرجع إلى أهله ، كان متمتعا وإن كان الذي طافه لعمرته في أشهر الحج الأقل من طوافها ، ثم حج من عامه ذلك ، ولم يرجع إلى أهله ، لم يكن بذلك متمتعا .
وقال بعضهم : إذا أحرم بالعمرة في أي وقت كان من السنة ، وحل منها ، ثم حج من عامه ذلك ، ولم يرجع إلى أهله ، كان بذلك متمتعا .
ولا نعلم هذا القول روي عن أحد غير فإن طاووس محمد بن خزيمة :
[ ص: 232 ] 1631 - حدثنا ، قال حدثنا قال حدثنا عثمان بن الهيثم بن الجهم العبدي المؤذن ، ، قال قال ابن جريج : طاوس من اعتمر في السنة كلها في المحرم فما سواه من الشهور ، فأقام حتى يحج ، فهو متمتع .
وقال بعضهم : كان بذلك متمتعا ، وممن روي عنه هذا القول إذا دخلت عليه أشهر الحج قبل إحلاله من عمرته ، فحل منها في أشهر الحج ، . مالك بن أنس
1632 - حدثنا قال أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ، ، أن عبد الله بن وهب ، حدثه ، قال من اعتمر في رمضان ، فدخل عليه شوال قبل أن يحل من عمرته ، فهو مثل من اعتمر في شوال ، وذي القعدة ، وذي الحجة ، ثم حج ، يجب عليه ما يجب على المعتمر في أشهر الحج . مالك بن أنس
فكان الذي راعى أهل هذا القول الإحلال من العمرة في أشهر الحج ، لا ما سواه وقد روي عن من غير هذا الوجه أنه لو كان يقول : لا يكون متمتعا بما ذكرنا حتى يكون قد بقي عليه من طواف عمرته شوط فأكثر منه ، فيطوف الباقي عليه منها في أشهر الحج ، ثم يحل ، ثم يحج من عامه ذلك ، ولا يرجع إلى أهله . مالك بن أنس
ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيه ، فوجدنا قول الله عز وجل : ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ) ، لم يبين لنا عز وجل في ذلك كيفية التمتع ، ووجدنا أهل العلم جميعا لا يختلفون فيمن أحرم بعمرة في سنة من السنين ، فطاف لها ، وحل منها ، ثم أقام حتى حج في السنة التي بعد تلك السنة ، لا في السنة الأولى ، أنه لا يكون بذلك متمتعا ، فعلمنا بذلك أن التمتع بالعمرة إلى الحج ليس هو اتباع الحج العمرة في كل وقت من الأوقات ، وإن ذلك إنما يكون على اتباع الحج العمرة في وقت خاص ، ولا يدخل فيما علمنا من أداء الله عز وجل به خاصا ، إلا ما أجمعوا على دخوله فيه وقد أجمعوا في [ ص: 233 ] الأقوال التي ذكرنا فيمن طاف أكثر طواف العمرة في أشهر الحج ، ثم حج من عامه ذلك ، ولم يرجع إلى أهله ، أنه يكون متمتعا ، ولم يجمعوا على ما سوى ما ذكرنا ، فأدخلنا في الآية ما أجمعوا على دخوله فيها ، ولم يدخل فيها ما سوى ذلك مما لم يجمعوا على دخوله فيها ، فثبت بذلك ما ذكرنا عن ، أبي حنيفة ، وأبي يوسف ومحمد في هذا الباب .