وقد ذكرنا فيما تقدم من كتبنا هذه في المناسك في فدية الأذى مقدار ما يطعمه كل مسكين ، فأغنانا ذلك عن إعادته هاهنا .
وقد احتج أهل المقالة الأولى لمقالتهم في مقدار إطعام المساكين بحديث أوس بن الصامت الذي ذكرناه في أول هذا الباب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مريه فليذهب إلى فلان فقد أخبرني أن عنده شطر وسق ، فليأخذه صدقة عليه ، ثم يتصدق به على ستين مسكينا . لخولة :
وبحديث فيما تقدم من هذا الباب عن يوسف بن عبد الله بن سلام أن زوجها ظاهر منها ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت آية الظهار ، فأمره أن يكفر قبل أن يواقع بخمسة عشر صاعا على ستين مسكينا . خولة ،
وكان من الحجة عليهم في ذلك أن هذين الحديثين قد رويا هكذا ، وقد روي في حديث ، عن أبي إسحاق يزيد بن زيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمره بإطعام ستين مسكينا قال : تالله ما عندي إلا أن تعينني ، فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا والمعاونة على الشيء إنما هي ببعضه لا بكله فهذا الحديث مما قد ذكرناه فيما تقدم ، وهو مخالف للحديث الآخر ، وأما حديث فقد روي كما ذكرناه في هذا الباب ، وقد روي بزيادة على ذلك كما : يوسف بن عبد الله بن سلام
[ ص: 404 ] 1962 - حدثنا فهد ، قال حدثنا فروة بن أبي المغراء ، قال حدثنا يحيى بن زكرياء ، عن ، عن محمد بن إسحاق معمر بن عبد الله ، عن قال : يوسف بن عبد الله بن سلام ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعان زوجها حين ظاهر منها بعرق من تمر ، وأعانته هي بعرق آخر ، وذلك ستون صاعا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تصدق به ، واتقي الله ، وارجعي إلى ابن عمك . خولة ابنة مالك بن ثعلبة ابن أخي عبادة بن الصامت ، حدثتني
فهكذا كان أهل المقالة الثانية يقولون : ما يطعم فيه من التمر كل مسكين صاعا ، يطعم فيه من الحنطة كل مسكين نصف صاع فأما حديث سلمة بن صخر الذي رواه ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن سليمان بن يسار سلمة بن صخر ، هو دليل على هذا المعنى ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له فيه : بني زريق ، فمره فليدفع إليك صدقتهم ، فأطعم وسقا ستين مسكينا ، وأنفق سائره عليك وعلى عيالك . انطلق إلى صاحب صدقة
وقد رواه عن بكير بن الأشج ، بغير هذا المعنى . سليمان بن يسار
1963 - كما حدثنا يونس ، قال أخبرنا ، قال : أخبرني ابن وهب عن عمرو بن الحارث ، عن بكير بن الأشج ، سليمان ، بني زريق يقال له : سلمة بن صخر ، وكان قد أوتي حظا من الجماع ، فلما دخل عليه شهر رمضان تظاهر من امرأته حتى ينقضي شهر رمضان ، فاشتكى عينيه ، فأتته امرأته بمكحلة في القمر ، فأعجبه بعض ما رأى منها فوقع عليها ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : أنت بذلك يا سلمة ؟ قلت : نعم قال : فأعتق رقبة قال : ما أملك غير رقبتي قال : فصم شهرين متتابعين قال : ما عمل يعمل الناس أشق علي من الصيام قال : فأطعم ستين مسكينا قال : ما أجد شيئا .
قال : فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر ، فأعطاه إياه ، وهو قريب من [ ص: 405 ] خمسة عشر صاعا ، فقال : صدق بهذا فقال : يا رسول الله ، أعلى أفقر مني ومن أهلي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كله أنت وأهلك . أن رجلا من
فإن كان هذا الحديث في ذلك هو ما رواه ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن عمرو بن عطاء سليمان ، كما ذكرنا ، فذلك دليل على ما يقول أهل المقالة الثانية وإن كان أصل الحديث كما رواه بكير ، فإن في ذلك دليلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعطه الذي أعطاه على أنه جميع الذي عليه ، وأنه إنما كان منه على المعونة منه إياه فيما عليه ولا يجب في الحكم عندنا زوال كفارة متفق على وجوبها إلا باتفاق على زوالها ، إذ كان مثل هذا لا يقال استنباطا ولا قياسا ، وكان المظاهر إذا أطعم ما يقول أهل المقالة الثانية سقط عن فرض الكفارة في قولهم وفي قول أهل المقالة الآخرين ، وإذا أطعم ما يقول أهل المقالة الأولى لم تسقط الكفارة عنه في قول أهل المقالة الثانية ، فكان قول أهل المقالة الثانية أولى بنا ، إذ كان فيه سقوط الواجب بلا اختلاف .
وعلى المظاهر ألا يماس أهله في كل معنى من هذه الثلاثة المعاني من الكفارات حتى يجيء بالمعنى الذي عليه منها .